قوله (رأوا ترك الوضوء مما مست النار) أي اعتقدوه (وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن) بتشديد النون من الحروف المشبهة بالفعل (هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار) قوله (حديث الوضوء مما مست النار) بدل من قوله الحديث الأول وكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما لكن قال أبو داود وغيره إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى النووي بهذا في شرح المهذب وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب يعني حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة قال النووي كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب كذا في الفتح قلت واختاره صاحب المنتقي فقال هذه النصوص يعني التي فيها ترك الوضوء مما مست النار إنما تنفي الإيجاب ولهذا قال الذي سأله أنتوضأ من لحوم الغنم قال
(٢١٩)