قال الطيبي معنى قوله يلقى فيها أن البئر كانت بمسيل من بعض الأودية التي يحتمل أن ينزل فيها أهل البادية فتلقي تلك القاذورات بأفنية منازلهم فيكسحها السيل فيلقيها في البئر فعبر عنه القائل بوجه يوهم أن الإلقاء من الناس لقلة تدينهم وهذا مما لا يجوزه مسلم فأنى يظن ذلك بالذين هم أفضل القرون وأزكاهم انتهى قلت كذلك قال غير واحد من أهل العلم وهو الظاهر المتعين (إن الماء طهور) أي طاهر مطهر قال القاري في المرقاة قيل الألف واللام للعهد الخارجي فتأويله إن الماء الذي تسألون عنه وهو ماء بئر بضاعة فالجواب مطابقي لا عموم كلي كما قاله الامام مالك انتهى وإن كان الألف واللام للجنس فالحديث مخصوص بالاتفاق كما ستقف (لا ينجسه شئ) لكثرته فإن بئر بضاعة كان بئرا كثيرا الماء يكون ماؤها أضعاف قلتين لا يتغير بوقوع هذه الأشياء والماء الكثير لا ينجسه شئ ما لم يتغير قال العلامة الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة قوله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ معناه المعادن لا تنجس بملاقاة النجاسة إذا أخرجت ورميت ولم يتغير أحد أوصافه ولم تفحش وهل يمكن أن يظن ببئر بضاعة أنها كانت تستقر فيها النجاسات كيف وقد جرت عادة بني ادم باجتناب عما هذا شأنه فكيف يستقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت تقع فيها النجاسات من غير أن يقصد إلقاؤها كما تشاهد من آبار زماننا ثم تخرج تلك النجاسات فلما جاء الاسلام سألوا عن الطهارة الشرعية الزائدة على ما عندهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ يعني لا ينجس نجاسة غير ما عندكم انتهى قوله (هذا حديث حسن وقد جود أبو أسامة هذا الحديث) أي رواه بسند جيد وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو محمد بن حزم قاله الحافظ في التلخيص وزاد في البدر المنير والحاكم وآخرون من الأئمة الحفاظ فإن قلت في سند هذا الحديث عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج وهو مستور كما قال الحافظ في التقريب فكيف يكون هذا الحديث صحيحا أو حسنا قلت صحح هذا الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهما إماما الجرح والتعديل
(١٧٠)