[...] أصحاب الشافعية والظاهريين نطقه به انتهى كلام السيوطي ملخصا. وقال النووي في مقدمة شرح مسلم: جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الاسناد في الخط، وينبغي للقارئ أن يلفظ بها، وإذا كان في الكتاب: قرئ على فلان أخبرك فلان فليقل القارئ: قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان، وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان قيل له قلت أخبرنا فلان. انتهى كلام النووي. فإذا وقفت على هذه العبارات وعرفت مدلولها يتضح لك ما قلنا في تصحيح جملة فأقر به الشيخ الثقة الأمين إن شاء الله تعالى.
تنبيه: قال صاحب العرف الشذي في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه: المراد بالشيخ هو المحبوبي كما في ثبت ابن عابدين، وهذه العبارة يعني فأقر به الشيخ الثقة الأمين ليست في النسخ المعتبرة، وأما على تقدير وجودها في الكتاب فمرادها أن الشيخ المحبوبي نسخ الكتاب، وكان علم من قلبه بالصدور، فإذ صار العلم بالكتاب فاحتاج تلامذة الشيخ المحبوبي إلى أن يقر المحبوبي بكتابه وصحته، فلذا قال تلميذ المحبوبي أقر الشيخ المحبوبي بهذا الكتاب لتوثيق الكتاب انتهى كلامه.
قلت: هذا التوجيه باطل جدا، فإن مبناه على أن علم من قبل الشيخ المحبوبي من أصحاب الكتب الستة وغيرهم كان في الصدور ولم يكن في الكتاب، وهذا باطل ظاهر البطلان، وقد عرفت في المقدمة أن تدوين الأحاديث وجمعها في الكتاب قد حدث في أواخر عصر التابعين، قال الحافظ في مقدمة الفتح: إن آثار النبي (صلى الله عليه وسلم) لم تكن في عصره وعصر أصحابه وتبعهم مدونة في الجوامع. إلى أن قال: ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الاخبار لما انتشر العلماء بالأمصار وكثر الابتداع اه.
وتنبيه آخر: وقال بعضهم في توجيه الجملة المذكورة: إن قوله فأقر به الشيخ الثقة الأمين يحتمل وجهين أحدهما أن يقال: بأن المراد بالشيخ الثقة الأمين هو أبو العباس الذي تلميذه أبو محمد عبد الجبار، والمعنى على هذا الوجه: أن القاضي الزاهد أبا عامر أو الشيخ أبا نصر أو الشيخ أبا بكر الذين هم تلامذة أبي محمد عبد الجبار قد سأل أستاذ أستاذه أعني أبا العباس عن أنك أخبرت تلميذك أبا محمد عبد الجبار بهذا الكتاب فأقر به، أي بالاخبار بهذا الكتاب أبو العباس وأجاب بإقرار الاخبار، وثانيهما أن يراد بالشيخ الثقة الأمين أبو محمد عبد الجبار، ويكون المعنى على هذا أنه سأله أحد تلامذته وهم القاضي الزاهد أبو عامر وأبو نصر وأبو بكر عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس فأقر به أبو محمد عبد الجبار بأخذ هذا الكتاب من شيخه أبي العباس. هذا هو الوجه الثاني، فعلى كلا الوجهين: الضمير في قوله به راجع إلى الاخبار بهذا الكتاب الذي يفهم