يستقبله الداخل، شديد السواد والبصيص، يصف الأشخاص كلها كأنه المرآة الهندية الحديثة الصقل، وشاهدنا من استلام الناس للقبر المبارك، وإحداقهم به وانكبابهم عليه وتمسحهم بالكسوة التي عليه وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسلين إلى الله سبحانه وتعالى ببركة التربة المقدسة، ومتضرعين بما يذيب الأكباد، ويصدع الجماد، والأمر فيه أعظم ومرأى الحال أهول نفعنا الله ببركة ذلك المشهد الكريم، وإنما وقع الإلماع بنبذة من صفته مستدلا على ما وراء ذلك، إذ لا ينبغي لعاقل أن يتصدى لوصفه لأنه يقف موقف التقصير والعجز، وبالجملة فما أظن في الوجود كله مصنعا أحفل منه ولا مرأى من البناء أعجب ولا أبدع، قدس الله العضو الكريم الذي فيه بمنه وكرمه.
وفي ليلة اليوم المذكور بتنا بالجبانة المعروفة بالقرافة وهي أيضا إحدى عجائب الدنيا لما تحتوي عليه من مشاهد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وأهل البيت و الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والعلماء والزهاد والأولياء ذوي الكرامات الشهيرة والأنباء الغريبة، وإنما ذكرنا منها ما أمكنتنا مشاهدته. فمنها: قبر ابن النبي صالح، وقبر روبيل بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم أجمعين، وقبر آسية امرأة فرعون رضي الله عنها، ومشاهد أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين مشاهد أربعة عشر من الرجال وخمس من النساء، وعلى كل واحد منها بناء حفيل، فهي بأسرها روضات بديعة الاتقان عجيبة البنيان، قد وكل بها قوم يسكنون فيها و يحفظونها، ومنظرها منظر عجيب، والجرايات متصلة لقوامها في كل شهر. ثم ذكر تفصيل المشاهد.
عقد الشبراوي الشيخ عبد الله الشافعي المتوفى 1172 في كتابه - الإتحاف بحب الأشراف - ص 25 - 40 بابا في ذلك المشهد وذكر فيه زيارته وشطرا من الكرامات له وإحياء يوم الثلاثاء بزيارته وقال: والبركات في هذا المشهد مشاهدة مرئية، و النفحات العائدة على زائريه غير خفية، وهي بصحة الدعوى ملية، والأعمال بالنية، ولأبي الخطاب بن دحية في ذلك جزء لطيف مؤلف، واستفتي القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك فقال: هذا مكان شريف وبركته ظاهرة والاعتقاد فيه خير و السلام، وما أجدر هذا المشهد الشريف والضريح الأنور المنيف بقول القائل: