" الحمد لله " هو أن عرف الله عباده بعض نعمه جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل، لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال لهم: قولوا: " الحمد لله " على ما أنعم به علينا " رب العالمين " يعني مالك العالمين، وهم الجماعات من كل مخلوق، من الجمادات والحيوانات.
فأما الحيوانات، فهو يقلبها في قدرته، ويغذوها من رزقه ويحيطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته، وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته، يمسك ما اتصل المتصل منها أن يتهافت، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه، ويمسك الأرض أن تنخسف إلا بأمره، إنه بعباده لرؤف رحيم.
قال: و " رب العالمين " مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم، من حيث هم يعلمون، ومن حيث لا يعلمون، فالرزق مقسوم، وهو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا، ليس تقوى متق بزائده، ولا فجور فاجر بناقصه، وبينه وبينه ستر، وهو طالبه، ولو أن أحدكم يتربص رزقه لطلبه رزقه، كما يطلبه الموت.
قال: فقال الله تعالى لهم: قولوا: " الحمد لله " على ما أنعم به علينا وذكرنا به من خير في كتب الأولين قبل أن نكون.
ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد لما فضله وفضلهم، وعلى شيعته أن يشكروه بما فضلهم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما بعث الله موسى بن عمران واصطفاه نجيا وفلق البحر فنجى بني إسرائيل، وأعطاه التوراة والألواح، رأى مكانه من ربه عز وجل فقال: رب لقد كرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبل، فقال الله عز وجل: يا موسى أما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع خلقي.
قال موسى: يا رب فإن كان محمد أكرم من جميع خلقك، فهل في آل الأنبياء عندك أكرم من آلي؟ قال الله تعالى: يا موسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمد على جميع المرسلين؟ فقال: يا رب فإن كان فضل آل محمد عندك كذلك، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من صحابتي؟ قال الله: