بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨١ - الصفحة ٢١٧
لم يذكر في خبر آخر (1) " وأسمع القراءة " يدل على ما هو المشهور من أن
(١) اعترف قدس سره بأن قوله " واجعل واحدا من الأئمة نصب عينيك " لم يذكر في خبر آخر، لكنه لم يتعرض لبيانه ولا لرده، لكنك بعد ما عرفت مرارا أن هذا الكتاب هو كتاب التكليف لابن أبي العزاقر الشلمغاني، يهون عليك قوله ذلك، وقد تحول الرجل بعد ذلك حلوليا من أصحاب الحلول والاتحاد.
وقد روى الشيخ في الفقيه ص ٢٦٧ عن روح ابن أبي القاسم بن روح أنه قال:
لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف قال الشيخ يعني أبا القاسم: اطلبوه إلي لأنظره، فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره فقال: ما فيه شئ الا وقد روى عن الأئمة في موضعين أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله.
ثم روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن داودوالحسين بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه قالا: مما أخطأ محمد بن علي في المذهب في باب الشهادة أنه روى عن العالم أنه قال: إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه عنه ولم يكن له من البينة عليه الا شاهد واحد وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهد عنده، لئلا يقوى حق امرئ مسلم، واللفظ لابن بابويه قال: هذا كذب منه لسنا نعرف ذلك، فإذا رجعت إلى هذا الكتاب المعروف عندنا بفقه الرضا ترى نص الخبر بألفاظه ص ٤١ س ٣١.
وقد كان الكتاب حتى القرن التاسع معروفا عند العلماء بأنه كتاب التكليف لابن أبي العزاقر فهذا ابن أبي جمهور الأحسائي صاحب كتاب غوالي اللئالي قد أكثر النقل عنه فقد قال في كتابه الغوالي المسلك الأول من الباب الأول: روى في كتاب التكليف لابن أبي العزاقر رواه عن العالم عليه السلام أنه قال: من شهد على مؤمن بما يثلمه أو يثلم ماله أو مروته سماه الله كذابا وإن كان صادقا، ومن شهد لمؤمن ما يحيى به ماله أو يعينه على عدوه أو يحفظ دمه سماه الله صادقا وإن كان كاذبا.
ثم قال: وروى أيضا صاحب هذا الكتاب عن العالم عليه السلام قال: إذا كان لأخيك المؤمن على رجل... إلى آخر الحديث.
وهذان الحديثان كما أشرنا قبل ذلك يوجد في الفقه الرضوي بنص ألفاظه ص ٤١ باب الشهادة وكلاهما مردودان.
وروى الشيخ في الغيبة عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال: حدثني سلامة بن محمد قال: أنفذ الشيخ الحسين بن روح كتاب التكليف إلى قم وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم: انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شئ يخالفكم؟ فكتبوا إليه: انه كله صحيح وما فيه شئ يخالف الا قوله في الصاع في الفطرة، نصف صاع من طعام، و الطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع.
وهذا الخبر بنصه يوجد في كتاب الفقه الرضوي ص ٢٥ س ٢٣ ولفظه: " وروى الفطرة نصف صاع من بر وسائره صاعا صاعا ".
فهذه ثلاث روايات توجد في هذا الكتاب، قد أنكر ما أصحابنا القدماء الناقدين لكتاب التكليف الناظرين فيه، أضف إلى ذلك ما أشرنا إليه ج ٨٠ ص ٧٨ من أنه نص في ص ٤١ من الكتاب أن زكاة الجلود الميتة دباغته، وقد نسب هذا القول إلى الشلمغاني صاحب كتاب التكليف أيضا، وهكذا عرفت في ج ٥١ ص ٣٧٥ من أنه حدد الكر قائلا في ص ٤ ص ١٩: والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر فترمى به في وسطه فان بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكر وان لم يبلغ فهو كر و لا ينجسه شئ " وهذا التحديد، لم ينقل الا من الشلمغاني كما في المستدرك ج ١ ص ٢٧، وقال شارح الدروس: وحدده الشلمغاني بما لا يتحرك جنباه عند طرح حجر في وسطه إلى أن قال: وأما ما ذهب إليه الشلمغاني فلا مستند، وقد رده المصنف في الذكرى بأنه خلاف الاجماع.
فعلى هذا لا ريب في أن الكتاب هو كتاب التكليف، لابن أبي العزاقر الشلمغاني وقد كان يعرفه الأصحاب أمثال ابن أبي جمهور الأحسائي حتى القرن التاسع، مع شواهد أخرى في سياق ألفاظه تشهد أنه كتاب معمول عمله فقيه متفقه ومفت متردد أحيانا في فتواه حتى أنه ينقل في باب الدعاء ص 55 دعاء فيه: " اللهم أظهر الحق وأهله واجعلني ممن أقول به وأنتظره، اللهم قيم قائم آل محمد وأظهر دعوته برضا من آل محمد اللهم أظهر رايته وقو عزمه وعجل خروجه وانصر جيوشه واعضد أنصاره وأبلغ طلبته و أنجح أمله وأصلح شأنه وقرب أوانه، اللهم املاء به الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما " وهذا ينص على أن الكتاب قد عمل رسالة عملية فتوائية بعد غيبة امامنا المنتظر لا أنه من املاء الامام أبى الحسن الرضا عليه السلام.
واما كلامه هذا " واجعل واحدا من الأئمة نصب عينيك " فلم أر أحدا نقله عنه، ولا من ينكر عليه ذلك وينقد عليه، ولعله مما زيد عليه في كتابه، أو زاده نفسه بعد اعتقاده بالحلول والاتحاد، ولم يكن في النسخ التي نقدها الأصحاب في الصدر الأول.