بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨١ - الصفحة ٣٥
عدم الاشتغال ببيان خصوص مصلحة، فما بعد هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله تسلية له عن عدم إيمانهم وامتنانا عليه وعلى المؤمنين بهدايتهم لدين الاسلام، أو لما هو مقتضى الحكمة والمصلحة، ويجوز دخوله في الجواب توبيخا لهم، وتبكيتا على عدم هدايتهم لذلك مع ما تقدم، كذا قيل.
ويحتمل أن يكون المراد أن المشرق والمغرب وما فيهما مخلوقه تعالى و معلوله، ولا اختصاص له بشئ منها حتى يتعين التوجه إليه، فكلما علم المصلحة من التوجه إلى جهة لقوم يأمرهم بذلك " يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " وهو ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من توجيههم تارة إلى بيت المقدس والأخرى إلى الكعبة.
" وكذلك جعلناكم أمة وسطا " أي عدلا أو أشرف الأمم، فلذا هديناكم إلى أشرف قبلة وأفضلها " لتكونوا شهداء على الناس " يوم القيامة وقد مر تفسير الآية في كتاب الإمامة (1) وأن الخطاب إلى الأئمة، وأن في قرائتهم عليهم السلام " أئمة وسطا ".
" وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " قيل: الموصول ليس صفة للقبلة، بل ثاني مفعولي جعل، أي وما جعلنا القبلة بيت المقدس إلا لامتحان الناس، كأنه أراد أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، واستقبالك بيت المقدس كان عارضا لغرض.
وقيل: يريد وما جعلنا القبلة الآن التي كنت عليها بمكة أي الكعبة وما رددناك إليها إلا امتحانا، لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي بمكة إلى الكعبة (2)

(1) راجع ج 23 ص 334 من هذه الطبعة الحديثة.
(2) قال الشعراني مد ظله في بعض حواشيه على الوافي: ان بيت المقدس في جانب الشمال لمن هو بمكة، ومستقبله مستقبل للشمال، فإن كان المصلى في الناحية الجنوبية من مكة - شرفها الله - واستقبل الشمال أمكن أن تكون الكعبة وبيت المقدس كلاهما قبلة له، ويكون مستقبلا لهما معا، وأما إن كان المصلى في النواحي الاخر من تلك البلدة الشريفة لم يمكن استقبالهما معا.
قال في الروض الأنف: وفي الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلى بمكة إلى بيت المقدس، وهو قول ابن عباس، وقالت طائفة: ما صلى إلى بيت المقدس الا إذا قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا فعلى هذا يكون في القبلة نسخان:
نسخ سنة بسنة ونسخ سنة بقرآن وقد بين حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة، فروى عنه من طرق صحاح أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى بمكة استقبل البيت المقدس فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة، والله أعلم انتهى.
وهذا مستبعد جدا بل محال عادة لان المسلمين كانوا محصورين ثلاث سنين في شعب أبي طالب وكانوا يصلون، وليس هذا الشعب في الناحية الجنوبية من مكة، وكان صلى الله عليه وآله يصلى في دار خديجة عليها السلام شرقي مكة ولا يمكن فيها استقبال الكعبة وبيت المقدس معا، الا أن يلتزم أحد بأن المسلمين لم يصلوا في مكة منذ ثلاث عشرة سنة الا في الجانب الجنوبي من المسجد الحرام وأيضا فإنه صلى الله عليه وآله سافر إلى الطائف وصلى في سفره قطعا، والطائف شرقي مكة ولا يمكن فيه استقبال مكة وبيت المقدس جميعا، وهاجر المسلمون إلى حبشة وبقوا هناك سنين قبل الهجرة إلى المدينة المنورة ولا يمكن من الحبشة استقبال القبلتين، الا أن يلتزم بأنهم لم يصلوا، أو كان تكليفهم غير تكليف نبيهم صلى الله عليه وآله.
والعجب من صاحب الروض الأنف مع كمال دقته وتفطنه لجوانب الأمور وأطرافها كما يعلم من تتبع كتابه كيف اختار هذا القول، وبالجملة فالالتزام بوجود نسخين في القبلة أهون.
وان لم يمكن أو استبعد ذلك، فينبغي أن يقال: إن الكعبة كانت بيت المقدس، الا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يجعل الكعبة خلف ظهره قط، بل كان يقف إلى بيت المقدس اما بحذائه إذا أمكنه، والا فبحيث يكون الكعبة إلى أحد جوانبه، وهذا تشريف منه للكعبة الشريفة و أدب لم يكن واجبا على سائر المسلمين والله العالم.
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 تتمة باب فضل المساجد وأحكامها وآدابها 1
3 في قول رسول الله (ص): من أدمن إلى المسجد أصاب الخصال الثمانية 3
4 في الوقف على المسجد 7
5 تتميم في كراهة الخذف بالحصا في المسجد، وكشف السرة والفخذ 17
6 * الباب التاسع * صلاة التحية والدعاء عند الخروج إلى الصلاة، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه 19
7 الدعاء عند الخروج من البيت إلى المسجد 20
8 الدعاء عند الخروج من المسجد 22
9 * الباب العاشر * القبلة وأحكامها، وفيه: آيات، وأحاديث 28
10 معنى قوله عز اسمه: " فأينما تولوا فثم وجه الله " في ذيل الصفحة 28(ه‍)
11 سبب نزول قوله عز وجل " ولله المشرق والمغرب " 31
12 معنى قوله تعالى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " وفي الذيل ما يناسب 35
13 بحث حول وجوب الاستقبال في الفريضة فقط دون النافلة 48
14 في معنى القبلة وفيما يجب استقباله 51
15 في قبلة مسجد الكوفة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله 54
16 في الالتفات إلى أحد الجانبين 58
17 فيمن صلى وظن أنه على القبلة ثم تبين خطأوه، والأقوال فيه 63
18 فيمن فقد العلم بالقبلة، والأقوال فيه 65
19 في تحويل القبلة 71
20 رسالة: إزاحة العلة - في معرفة القبلة، للشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرئيل 74
21 في ذكر وجوب التوجه إلى القبلة وأقسام القبلة وأحكامها 74
22 تحويل القبلة ومن كان في جوفها أو فوقها، وحكم البلاد 76
23 القبلة في: مالطة وشمشاط والشام وعسفان وتبوك والسوس 78
24 القبلة في: بلاد الحبشة وبلاد مصر والصين واليمن والهند وكابل والأهواز... 80
25 القبلة في حال الخوف وعلى الراحلة والسفينة والمسابقة 85
26 فيما قاله العلامة المجلسي (ره) وإيانا في الرسالة وبيانه في انحراف البلاد... 86
27 * الباب الحادي عشر * وجوب الاستقرار في الصلاة، والصلاة الراحلة والمحمل والسفينة والرف... 90
28 الاستدلال بوجوب الاستقرار في الصلاة من الآية الكريمة في الذيل 90
29 الصلاة في الرف والأرجوحة والسفينة 94
30 * الباب الثاني عشر * في صلاة الموتحل والغريق، ومن لا يجد الأرض للثلج، وفيه: حديثان 101
31 الأقوال في سجدة من يصلي في الثلج أو الماء أو الطين 101
32 * الباب الثالث عشر * الأذان والإقامة وفضلهما وتفسيرهما وأحكامهما وشرائطها... 103
33 معنى قوله عز وجل: " وإذا ناديتم إلى الصلاة " 103
34 ثواب المؤذن، وأذان جبرئيل 106
35 الأقوال في الأذان والإقامة 108
36 الأقوال في: أشهد أن عليا ولي الله 111
37 القول في: الصلاة خير من النوم 118
38 في بدو الاذان 121
39 معنى الاذان 131
40 علة الاذان وفصوله بكيفيته المشهورة، وفيه توضيح 143
41 فيمن نسي أو سهى الاذان والأقوال فيه 165
42 * الباب الرابع عشر * حكاية الاذان والدعاء بعده 173
43 الدعاء بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات 177
44 في استحباب الجلوس بين أذان المغرب وإقامته والدعاء بعده 181
45 * الباب الخامس عشر * وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها وجمل أحكامها وواجباتها وسننها 185
46 قصة حماد الذي صلى عند مولانا الصادق عليه السلام وكيفية الصلاة التي صلاها... 185
47 النهي عن قول: آمين، بعد الحمد 201
48 آداب الصلاة والأدعية التي كانت بينها من البدو إلى الختم 206
49 * الباب السادس عشر * آداب الصلاة، وفيه: آيات، و: أحاديث 226
50 قصة أبي ذر الغفاري ومقامه وصلاته وأغنامه 231
51 للمصلي ثلاث خصال 243
52 قصة مولانا السجاد (ع) وهو يصلي وسقوط مولانا الباقر عليه السلام في قعر البئر 245
53 معنى الصلاة في الحقيقة 246
54 في تأويل افعال الصلاة 254
55 * الباب السابع عشر * ما يجوز فعله في الصلاة وما لا يجوز وما يقطعها وما لا يقطعها... 268
56 معنى قوله عز وجل: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى "... 268(ه‍)
57 معنى قوله تعالى: " وإذا حييتم بتحية "... 272
58 في الحدث الواقع في أثناء الصلاة والقهقهة والنوم 282
59 الفعل الكثير، والأقوال فيه 288
60 فيمن لا يسلم عليه 309
61 في مبطلات الصلاة 310
62 * الباب الثامن عشر * من لا تقبل صلاته وبيان بعض ما نهى عنه في الصلاة 315
63 في أن من شرب الخمر لم يحتسب صلاته أربعين صباحا، والأقوال فيه، وما قاله 315
64 * الباب التاسع عشر * النهى عن التكفير 325
65 في قول علي (ع): لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل... 325
66 * الباب العشرون * ما يستحب قبل الصلاة من الآداب 329
67 في قول الصادق (ع): لا يخلو المؤمن من خمس: مشط وسواك وخاتم عقيق... 329
68 * الباب الحادي والعشرون * القيام والاستقلال فيه وغيره من أحكامه وآدابه وكيفية صلاة المريض... 331
69 معنى قوله تعالى: " وقوموا لله قانتين " والاستدلال بوجوب القيام 331
70 في العجز عن القيام 335
71 * الباب الثاني والعشرون * آداب القيام إلى الصلاة والأدعية عنده والنية والتكبيرات الافتتاحية... 344
72 القول في وجوب رفع اليدين في جميع التكبيرات في الصلاة 352
73 علة التكبير وذكر الركوع والسجود 355
74 الدعاء عند الصلاة 365
75 عدد التكبيرات في الصلاة 381