10. " (باب) " * " (القبلة وأحكامها) " * الآيات: البقرة: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (1).
(١) البقرة: ١٧٧. وللآية تعلق بما قبلها وهي أربعة آيات ترد على اليهود والنصارى في مقالتهم - كما حكاه الله عز وجل بقوله: " وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون * ومن أظلم ممن منعمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها الا خائفين * لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم * ولله المشرق والمغرب الآية.
وأما هذه الخامسة: فإنها ترد عليهم احتجاجهم في أمر القبلة وهو أن قبلة كل ملة هي أخص الشعائر التي يميز بها عن سائر الملل وقد كانت الملل من أهل الكتاب لكل واحد منهم قبلة على حدة ووجهة هو موليها يختص بهم فكيف يدعى المسلمون أنهم ملة مستقلة قد نسخ ملتهم سائر الملل ودينهم كل الأديان وكتابهم ساير الكتب وهم مع ذلك يتبعون ملة اليهود في أخص شعائرهم وهي القبلة؟
فرد الله عليهم تلك المزعمة بأن كل المعمورة من المشرق إلى المغرب وما بينهما من البلاد كلها ملك لله على السواء وكل جهة استقبل في الصلاة فقد استقبل بها وجه الله عز وجل، سواء كان هي المشرق أو المغرب أو جهة أخرى غير ذلك.
فالمسلمون حيثما توجهوا في صلواتهم يستقبلون وجه الله عز وجل، وإنما اتخذوا جهة بيت المقدس قبلة لأمر أمرهم الله عز وجل على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله لا لان بيت المقدس بيت اختصه الله لنفسه فيحق في حد ذاته التشريف بكونه قبلة الأنام فلا قبلة سواها، ولا لأنهم تابعون ملة اليهود وداخلون في زمرتهم، والله واسع لا يكلف المسلمين بما يحرج به أنفسهم ويضيق به صدورهم عليم بابتلائهم وسينجيهم منه برحمته وفضله.
ففي هذه الآية تقدمة وتوطئة بل موعدة من الله الواسع العليم إلى ما سيوسعه في أمر المسلمين من تحويل قبلتهم هذه إلى قبلة أخرى غير قبلتي اليهود والنصارى، لئلا يكون للناس عليهم حجة الا الذين ظلموا منهم ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
فتلخص مما مر أن قوله تعالى " لله المشرق والمغرب " لا يفيد أن ما بين المشرق والمغرب قبلة (كما لا إشارة فيها إلى النوافل ولا الاسفار ولا حين التحير) بل إنما يرد على السفهاء الذين كانوا يحاجون المسلمين ويعيرونهم باتباع قبلة اليهود، ولذلك قال " فأينما تولوا فثم وجه الله " عاما ولم يخصه بما بين المشرق والمغرب، وينص على ذلك تكرار هذه الجملة في قوله تعالى بعد تحويل القبلة " سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم ".
نعم يدل قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " على أن الصلاة إلى غير القبلة المفروضة لا تذهب ضياعا، إذا كان المصلى معذورا لتحير أو سفر أو غير ذلك كما سيجئ شرحه في روايات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.