أقول: إنما أوردت الرسالة بتمامها، لاشتهارها بين علمائنا المتأخرين، و تعويلهم عليها في أحكام القبلة، لكن العلامات التي ذكرها - ره - كثير منها مخالفة للتجربة، والقواعد الهيئاوية، بل لا يوافق بعضها بعضا، ولم نتكلم في ذلك، لان استيفاء القول فيها يوجب بسطا لا يناسب الكتاب والرجوع إلى القواعد الرياضية، والآلات المعدة لذلك من الأسطرلاب والهندسة أضبط وأقوى، والتعويل عليها أحوط وأولى، إذ بعد استعلام خط نصف النهار ينحرف عنه إلى اليمين وإلى الشمال بقدر ما استخرجوه من انحراف كل بلد.
وتفصيله أن يسوى الأرض غاية التسوية، وقد ذكروا لها وجوها شهرتها عند البنائين تغني عن ذكرها، ويقام مقياس في وسط ذلك السطح، ويرسم حول المقياس دائرة نصف قطرها بقدر ضعف المقياس على ما ذكروه، وإن لم يكن ذلك لازما، بل اللازم أن يكون المقياس بحيث يدخل ظله الدائرة قبل الزوال ويخرج بعده، ويرصد دخول الظل الدايرة وخروجه عنها، قبل نصف النهار وبعده، ويعلم كلا من موضعي الدخول والخروج بعلامة، وينصف القوس التي بينهما ويوصل بين المنتصف والمركز بخط مستقيم، فهو خط نصف النهار، وبخروج رأس ظل المقياس عنه يعرف أول الزوال، وبقدر الانحراف عنه يمينا وشمالا يعرف القبلة.
ولنذكر مقدار انحراف البلاد المعروفة كما ذكره المحققون في كتب الهيئة، لئلا يحتاج الناظر في هذا الكتاب إلى الرجوع إلى غيره: فالبلاد التي تكون على خط نصف النهار (1) سمت قبلتهم نقطة الجنوب أو الشمال، وأما البلاد المنحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب، فبلدتنا أصبهان منحرفة عن نقطة الجنوب إلى اليمين بأربعين