بالكسر أن يخالط الرجل في عقله وقد خولط، وفي النهاية فيه ظن الناس أن قد خولطوا وما خولطوا، ولكن خالط قلبهم هم عظيم، يقال: خولط فلان في قلبه إذا اختل عقله، فقوله: خولط بهذا المعنى وخالط بمعنى الممازجة، وهذا أعلا درجات المحبين، حيث استقر حب الله تعالى في قلوبهم، وأخرج حب كل شئ غيره منها، فلا يلتفتون إلى غيره تعالى، ويتركون معاشرة عامة الخلق لمباينة طوره أطوارهم، فهم يعدونه سفيها مخالطا كما نسبوا الأنبياء عليهم السلام إلى الجنون لذلك.
" إن القلب إذا صفا " اي أن القلب اي الروح الانساني لما كان من عالم الملكوت، وإنما اهبط إلى هذا العالم الأدنى أو ابتلي بالتعلق بالبدن لتحصيل الكمالات، وحيازة السعادات - كما أن الثوب قد يلوث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل أشد بياضا وأصفى مما كان - فإذا اختار الشقاوة وتشبث بهذه العلايق الجسمانية والشهوات الظلمانية، لحق بالانعام، بل هو أضل سبيلا، وإن تمسك بعروة الشريعة الحقة، وعمل بالنواميس الإلهية، والرياضات البدنية، حتى انفتح له عين اليقين، فنظر إلى الدنيا ولذاتها بتلك العين الصحيحة، رآها ضيقة مظلمة فانية موحشة غدارة غرارة ملوثة بأنواع النجاسات المعنوية، والصفات الدنية استوحش منها وتذكر عالمه الأصلي فرغب إليها، وتعلق بها فجانب المتعلقين بهذا العالم، وآنس بالمتعلقين بالملاء الاعلى، فلحق بهم، وضاقت به الأرض، وصارت همته رفيعة عالية، فلم يرض إلا بالصعود إلى سدرة المنتهى، وجنة المأوى، فهم مع كونهم بين الخلق أرواحهم معلقة بالملاء الاعلى، ويستسعدون بقرب المولى.
أو يقال: لما كانت الأرض أعظم اجزاء الانسان، وكانت قواه الظاهرة والباطنة مائلة إليها بالطبع، لكمال النسبة بينهما كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة والبواعث إلى لذاتها ظاهرة، فربما اشتغل بها واكتسب الأخلاق والأعمال الفاسدة لتحصيل المقاصد، حتى تصير النفس تابعة لها، راضية بأثرها، مشعوفة بعملها متكدرة بالشهوات، منغمسة في اللذات، فتحجب الاستقرار في الأرض، وتركن