قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: وكان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم، فلم يبق ما جمعوا، ولم يبق من جمعوا له، وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا، فأوف عملك، واستوف أجرك، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر، فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها، وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها، فإنك لم تؤمر بعمارتها.
واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته، وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته، وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فان قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرض لمعروف ربك، وجدد التوبة في قلبك، واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك، ويقضى قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد (1).
بيان: قال في المصباح: القز معرب قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم ولهذا قال بعضهم: القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق انتهى، و " لفا " تميز عن نسبة " ازدادت " و " غما " مفعول له، أو حال. " فلم يبق ما جمعوا " في بعض النسخ " ما جمعوا له " وكأنه زيد " له " من النساخ، وعلى تقديره كأن المعنى لم يبق الأغراض والمطالب الباطلة التي جمعوا لها الدنيا، كالجاه والعزة والغلبة والفخر وأمثالها.
" فكان حتفها " اي هلاكها المعنوي فان التمتع بالمستلذات الجسمانية موجبة لقوة القوى الشهوانية وطغيانها، وهذا استعاره تمثيلية، شبه توسع الانسان في لذات الدنيا وشهواتها، وعدم مبالاته بحرامها وشبهاتها، وابتلائه بعد الموت بعقوباتها، بشاة وقعت في زرع اخضر فأكلت منها حيث شاءت وكيف شاءت بلا مانع، حتى إذا سمنت قتلها صاحبها لسمنها.