فيه أكثر، كما قال تعالى: " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا " (1) " فصافون أقدامهم " اي للصلاة، ويدل على استحباب صف القدمين في الصلاة بحيث لا يكون أحدهما أقرب من القبلة من الأخرى. أو تكون الفاصلة بينهما من الأصابع إلى العقبين مساوية والأول أظهر وعلى استحباب التضرع والبكاء في صلاة الليل.
وفي القاموس: جأر كمنع جأرا وجؤارا رفع صوته بالدعاء وتضرع واستغاث قوله " في فكاك رقابهم " أي من النار " كأنهم القداح " في القاموس القدح بالكسر السهم قبل أن يراش وينصل، والجمع قداح وأقداح وأقاديح، انتهى. وأشار عليه السلام إلى وجه التشبيه بالقداح بقوله " قد براهم الخوف " أي نحلهم وذبلهم كما يبرى السهم في القاموس:
برى السهم يبريه بريا و ابتراه نحته وبرأه السفر يبريه بريا هزله، وقوله " من العبادة " إما متعلق بقوله " براهم " أي نحتهم الخوف بآلة العبادة أي بحمله إياهم عليها وعلى كثرتها أو بقوله " كأنهم القداح " فيرجع إلى الأول. وعلى التقديرين " من " للسببية والعلية، أو متعلق بالخوف أي من قلة العبادة، والأول أظهر.
" فيقول مرضى " اي يظن أنهم مرضى لصفرة وجوههم، ونحافة بدنهم فخطأ عليه السلام ظنه، وقال: " وما بالقوم من مرض " بل هم من الأصحاء من الأدواء النفسانية، والأمراض القلبية " أم خولطوا " أي أو يقول خولطوا، ويحتمل أن يكون مرضى على الاستفهام، وقوله أم خولطوا معادلا له من كلام الناظر، فاعترض جوابه عليه السلام بين أجزاء كلامه.
والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب الله وعبادته، واعتزالهم عن عامة الخلق، ومباينة أطوارهم لأطوارهم، وأقوالهم لأقوالهم، ويسمعون منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم، فتارة ينسبونهم إلى المرض الجسماني، وتارة إلى المرض الروحاني، وهو الجنون واختلاط العقل بما يفسده، فأجاب عليه السلام عن الأول بالنفي المطلق، وعن الثاني بأن المخالطة متحققة، لكن لا بما يفسد