عقله وجن، وبعضهم مرض وأسندت عليه طرق العبادة.
وبعضهم عجز عن قمع الصفات بالكلية فظن أن ما كلفه الشرع محال وأن الشرع تلبيس لا أصل له، فوقع في الالحاد والزندقة، وظهر لبعضهم أن هذا التعب كله لله وأن الله مستغن عن عبادة العباد،، لا ينقصه عصيان عاص، ولا يزيده عبادة عابد، فعادوا إلى الشهوات، وسلكوا مسلك الإباحة، فطووا بساط الشرع والاحكام وزعموا أن ذلك من صفاء توحيدهم، حيث اعتقدوا ان الله مستغن عن عبادة العباد.
وظن طائفة أخرى أن المقصود من العبادات المجاهدة حتى يصل العبد بها إلى معرفة الله تعالى، فإذا حصلت المعرفة فقد وصل، وبعد الوصال يستغني عن الوسيلة والحيلة فتركوا السعي والعبادة، وزعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة الله سبحانه [عن] أن يمتحنوا بالتكاليف وإنما التكليف على عوام الخلق.
ووراء هذا مذاهب باطلة وضلالة هائلة وخيالات فاسدة، يطول إحصاؤها إلى أن يبلغ نيفا وسبعين فرقة، وإنما الناجي منها فرقة واحدة، وهي السالكة ما كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه، وهو أن لا يتركوا الدنيا بالكلية، ولا يقمع في الشهوات بالكلية.
أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل، فلا يتبع كل شهوة ولا يترك كل شهوة، بل يتبع العدل ولا يترك كل شئ من الدنيا، ولا يطلب كل شئ من الدنيا، بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد مقصوده، فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة، ومن المسكن ما يحفظ به من اللصوص، والحر والبرد، ومن الكسوة كذلك، حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن، أقبل على الله بكنه همه، واشتغل بالذكر والفكر طول العمر، وبقي ملازما لسياسة الشهوات، ومراقبا لها حتى لا تجاوز حدود الورع والتقوى، ولا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية صحت عقايدهم واتبعوا الرسول وأئمة الهدى صلوات الله عليهم في أقوالهم وأفعالهم، فإنهم ما كانوا