وصفرة وخضرة، وبيده جرس ضخم، وعلى رأسه بيضة في قلتها حديدة مستطيلة معقفة الطرف.
فقال له يحيى: أخبرني يا با مرة عما أسألك مما أرى، قال: يا نبي الله ما دخلت عليك على هذه الحالة إلا وأنا أحب أن أخبرك بكل شئ تسألني عليه ثم لا أعمى عليك، فقال: حدثني يا با مرة عن انطاقك هذا فوق القميص ما هو؟ قال: يا نبي الله تشبه بالمجوس، أنا وضعت المجوسية فدنت بها.
قال: فأخبرني ما هذه الأكواز الصغار التي هي معلقة من منطقتك مقدمة. قال:
يا نبي الله فيها شهواتي وخياعيل مصائدي، فأول ما أصيد به المؤمن من قبل النساء فان هو اعتصم بطاعة الله أقبلت عليه من قبل جمع المال من الحرام طمعا فيه حرصا عليه فان هو اعتصم بطاعة الله وأجنبني بالزهادة أقبلت عليه من قبل الشراب هذا المسكر حتى أكرر عليه هذه الشهوات كلها ولابد أن يواقع بعضها ولو كان من أورع الناس، قال:
فما هذه الخياعيل إلى طرف قميصك؟ قال: يا نبي الله هذه ألوان أصباغ النساء وزينتهن فلا يزال إحداهن تتلون (1) ثيابها حتى تأتي على ما يليق بها فهناك افتتن الرجال إلى ما عليها من الزينة.
قال: فما هذا الجرس بيدك؟ قال: يا نبي الله هذا معدن الطرب وجماعات أصوات المعازف من بين بربط وطنبور ومزامير وطبول ودفوف ونوح وغناء، وإن القوم يجتمعون على محفل شر وعندهم بعض ما ذكرت من هذه المعازف، فلا يكادون يتنعمون في مجلس ويستلذون ويطربون، فإذا رأيت ذلك منهم حركت هذا الجرس فيختلط ذلك الصوت بمعازفهم، فهناك يزيد استلذاذهم وتطريبهم، فمنهم من إذا سمع هذا يفرقع أصابعه، ومنهم من يهز رأسه، ومنهم من يصفق بيديه، فما زال هذا دأبهم حتى أبرتهم (2).