حرارة تخرج من عيني! ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من العروش من غير أن تمسها. ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمد فيرمد، ويتثأب (1) بحضرته فيتثأب هو، أشار إلى ذلك ابن بطال.
وقال الخطابي: في الحديث أن للعين تأثيرا في النفوس، وأبطال قول الطباعيين إنه لا شئ إلا ما تدركه الحواس الخمس، وما عدا ذلك لا حقيقة له.
وقال المازري: زعم بعض الطباعيين أن العاين تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد، وهو كإصابة السم من نظر الأفعى، وأشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه، وأن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العاين بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضر عند مقابلة شخص لآخر وهل ثم جواهر خفية أولا، هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا نفيه.
ومن قال ممن ينتمي إلى الاسلام من أصحاب الطبائع بالقطع بأن جواهر لطيفة غير مرئية تنبعث من العاين فتتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق البارئ الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم، فقد أخطأ بدعوى القطع، ولكنه جائز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة انتهى.
وهو كلام سديد، وقد بالغ ابن العربي في إنكاره فقال: ذهبت الفلاسفة إلى أن الإصابة بالعين صادرة عن تأثير النفس بقوتها فيه، فأول ما يؤثر في نفسها ثم يؤثر في غيرها.
وقيل: إنما هو سم في عين العاين يصيبه بلفحه (2) عند التحديق إليه، كما يصيب لفح سم الأفعى من يتصل به.
ثم رد الأول بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الإصابة في كل حال، والواقع بخلافه. والثاني بأن سم الأفعى جزء منها، وكلها قاتل، والعاين ليس يقتل منه