بطل القسمان ثبت فساد القول بالجن.
والحجة الثانية: أن هذه الاشخاص المسماة بالجن إذا كانوا حاضرين في هذا العالم ومخالطين للبشر فالظاهر الغالب أن يحصل لهم بسبب طول المخالطة والمصاحبة إما صداقة وإما عداوة، فان حصلت الصداقة وجب ظهور المنافع بسبب تلك الصداقة وإن حصلت العداوة وجب ظهور المضار بسبب تلك العداوة، إلا أنا لا نرى أثرا لا من تلك الصداقة ولا من تلك العداوة، وهؤلاء الذين يمارسون صنعة التعزيم إذا تابوا من الأكاذيب يعترفون بأنهم قط ما شاهدوا أثرا من هذا الجن، وذلك مما يغلب على الظن عدم هذه الأشياء، وسمعت ممن تاب عن هذه الصنعة قال: إني واظبت على العزيمة الفلانية كذا من الأيام وما تركت دقيقة من الدقائق إلا أتيت بها، ثم إني ما شاهدت من تلك الأحوال المذكورة أثرا ولا خبرا.
الحجة الثالثة: أن الطريق إلى معرفة هذه الأشياء إما الحس وإما الخبر وإما الدليل، أما الحس فلم يدل دليل على وجود هذه الأشياء (1)، فإذا كنا لا نرى صورة ولا سمعنا صوتا فكيف يمكننا أن ندعي الإحساس بها، والذين يقولون: إنا أبصرناها أو سمعنا أصواتها فهم طائفتان: المجانين الذين يتخيلون أشياء بسبب خلل أمزجتهم فيظنون أنهم رأوها، والكاذبون المنحرفون.
وأما إثبات هذه الأشياء بواسطة أخبار الأنبياء والرسل عليهم السلام فباطل لأن هذه الأشياء لو ثبتت لبطلت نبوة الأنبياء، فان على تقدير ثبوتها يجوز أن يقال: إن كل ما تأتي به الأنبياء من المعجزات إنما حصل بإعانة الجن والشياطين، وكل فرع أدى إلى إبطال الأصل كان باطلا مثاله إذا جوزنا نفوذ الجن في بواطن الانسان فلم لا يجوز أن يقال: إن حنين الجذع إنما كان لأجل أن الشيطان نفذ في ذلك الجذع ثم أظهر الحنين؟ ولم لا يجوز أن يقال: إن الناقة إنما تكلمت مع الرسول صلى الله عليه وآله لأجل أن الشيطان دخل في بطنها وتكلم؟ ولم لا يجوز أن يقال: إن الشجرة إنما انقلعت من