فأخبرناه، فضحك وقال: ما وطئ هذه الأرض من ولد آدم قط أحد إلا أنتما، فمن أنتما؟ قلنا: من العرب، فقال: بأبي وأمي العرب، فمن أيها أنتما، فقلت: أما أنا فرجل من خزاعة، وأما صاحبي فمن قريش، قال: بأبي وأمي قريشا وأحمدها، يا أخا خزاعة من القائل:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر؟
قلت: نعم ذلك الحارث ابن مصاص الجرهمي، قال: هو ذلك، يا أخا قريش أولد عبد المطلب بن هاشم؟ قال: قلت: أين يذهب بك يرحمك الله؟ فقال: أرى زمانا قد تقاربت أيامه، أفولد ابنه عبد الله؟ قلت: إنك تسأل مسألة من كان من الموتى (1) قال: فتزايد، ثم قال: فابنه محمد الهادي عليه السلام؟ قال: قلت: مات رسول الله صلى الله عليه وآله منذ أربعين سنة، فشهق شهقة حتى ظننا أن نفسه خرجت، وانخفض حتى صار كالفرخ فأنشأ يقول:
ولرب راج حيل دون رجائه * ومؤمل ذهبت به الآمال ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته، فبكينا لبكائه، ثم قلنا: أيها الشيخ قد سألتنا فأخبرناك، فسألناك بالله إلا أخبرتنا من أنت؟ قال: أنا السفاح بن زفرات الجني لم أزل مؤمنا بالله وبرسوله ومصدقا، وكنت أعرف التوراة والإنجيل، وكنت أرجو أني أرى محمدا، وإني لما تعفرتت (2) الجن وتطلقت الطوالق منها خبأت نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله وتوحيده وانتصار نبيه محمد صلى الله عليه وآله وآليت على نفسي أن لا أبرح ههنا حتى أسمع بخروجه، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين بعدي لما صرت في هذه الجزيرة منذ أربعمائة سنة، وعبد مناف إذ ذاك غلام يفع ما ظننت أنه ولد له، وذلك أنا نجد علم الأحاديث ولا يعلم الآجال إلا الله.
وأما أنتما أيها الرجلان فبينكما وبين الآدميين مسيرة أكثر من سنة ولكن