الشؤون المختلفة التي جعلها الله في الانسان بتبعية ما جعل فيه من العناصر المختلفة والصفات المتضادة، والمواد المتبائنة.
" من ماء مهين " نطفة قذرة ذليلة، وقال علي بن إبراهيم: منتن " في قرار مكين " قال: في الرحم (1).
" إلى قدر معلوم " أي إلى قدر (2) معلوم من الوقت قدره الله للولادة " فقدرنا " على ذلك أو فقدرناه، ويدل عليه قراءة نافع والكسائي بالتشديد " فنعم القادرون " نحن " فويل يومئذ للمكذبين " بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة. " وخلقناكم أزواجا " أي ذكرا وأنثى " قتل الانسان ما أكفره " قيل: دعاء عليه بأشنع الدعوات وتعجب من إفراطه في الكفران " من أي شئ خلقه " بيان لما أنعم عليه خصوصا من مبدأ حدوثه واستفهام للتحقير، ولذلك أجاب عنه بقوله " من نطفة خلقه فقدره " أي فهيأه لما يصلح له من الأعضاء والاشكال، أو فقدر أطوارا إلى أن تم خلقه " ثم السبيل يسره " أي ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم، وألهمه أن ينتكس، أو ذلل (3) له سبيل الخير والشر، وفيه - على المعنى الأخير - إيماء بأن الدنيا طريق والمقصد غيرها، ولذا عقبه بقوله " ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره " عد الإماتة والاقبار في النعم لان الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية واللذات الخالصة، والامر بالقبر تكرمة وصيانة عن السباع.
" ما غرك بربك الكريم " أي أي شئ خدعك وجرأك على عصيانه؟ قيل:
ذكر الكريم للمبالغة في المنع عن الاغترار والاشعار بما به يغره الشيطان، فإنه يقول له: افعل ما شئت فإن ربك كريم لا يعذب أحدا، وقيل: إنما قال سبحانه " الكريم " دون سائر أسمائه وصفاته لأنه كأنه لقنه الجواب حتى يقول: غرني كرم الكريم.
وفي مجمع البيان: روي أن النبي صلى الله عليه وآله لما تلا هذه الآية قال: غره جهله (4).