الأشجار أطول قامة من الانسان، بل ينبغي أن يشرط فيه شرط، وهو طول القامة مع استكمال القوة العقلية والقوة الحسية والحركية.
ورابعها: قال يمان: بحسن الصورة، والدليل عليه قوله تعالى " وصوركم فأحسن صوركم " ولما ذكر الله تعالى خلقة الانسان قال " فتبارك الله أحسن الخالقين " وقال " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " وإن شئت فتأمل عضوا واحدا من أعضاء الانسان وهو العين، فخلق الحدقة سوداء، ثم أحاط بذلك السواد بياض العين، ثم أحاط بذلك البياض سواد الأشفار، ثم أحاط بذلك السواد بياض الأجفان، ثم خلق فوق بياض الجفن سواد الحاجبين، ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة، ثم خلق فوق الجبهة سواد الشعر.
وليكن هذا المثال الواحد أنموذجا لك في هذا الباب.
وخامسها قال بعضهم: من كرامات الآدمي أن آتاه الله الخط. وتحقيق الكلام في هذا الباب أن العلم الذي يقدر الانسان الواحد على استنباطه يكون قليلا، أما إذا استنبط الانسان علما وأودعه في الكتاب وجاء الانسان الثاني واستعان بهذا الكتاب وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى، ثم لا يزالون يتعاقبون وضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علوم المتقدمين، كثرت العلوم وقويت الفضائل والمعارف، وانتهت المباحث العقلية والمطالب الشرعية أقصى الغايات وأكمل النهايات، ومعلوم أن هذا الباب لا يتأتى إلا بواسطة الخط والكتب، ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى " اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ".
وسادسها أن أجسام هذا العالم إما البسائط وإما المركبات، أما البسائط فهي الأرض، والماء، والهواء، والنار. والانسان ينتفع بكل هذه الأربعة، أما الأرض فهي لنا كالأم الحاضنة، قال تعالى " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " وقد سماه الله تعالى بأسماء بالنسبة إلينا، وهي: الفراش، والمهاد، والمهد وأما الماء فانتفاعنا في الشرب والزراعة والحراثة ظاهر، وأيضا سخر البحر لنأكل لحما طريا ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر. وأما الهواء فهو مادة حياتنا، ولولا هبوب الرياح لاستولى النتن على هذه المعمورة. وأما النار فيها طبخ