على ذلك ما ينفي عنه سبحانه المقادير، فإن الظاهر أن الزمان أيضا من المقادير (١) وكذا ما يدل على استحالة التغير وتجدد الحال عليه تعالى، فما يدل على خلاف ذلك مثل قوله تعالى (كل يوم هو في شأن (٢)) وقوله (خلق السماوات والأرض في ستة أيام (٣)) وأمثال ذلك مما مر بعضها فيمكن حملها على ضيق العبارة، فإن أهل اللغة لا يفهمون التجرد من الزمان، ووضعوا الألفاظ للمعاني المتعارفة بينهم وإما لتفهيم عامة الناس، فإن تصور التجرد عن الزمان صعب يحتاج إلى لطف قريحة، وإما أن يكون من قبيل قوله تعالى
﴿هو معكم أينما كنتم﴾ (4) ويكون المعية مع الزمان كالمعية مع المكان بل المكانيات، وإما أن يقال: المنفي عنه تعالى هو الزمان بالذات، والمثبت هو الزمان بالعرض، كما يفهم من كلام السيد الشريف في معنى (السرمد)، وإما أن يكون من قبيل نفي الزمان وإثبات الثمرة، كما في سائر الصفات، فإن الآلة منتفية وثمرة السمع والبصر وغيرهما ثابتة، وكذا مبدء اشتقاق الرحمة
والغضب واللطف وغيرها منتفية وثمراتها ثابتة، فالزمان منفي عنه تعالى وثمرته ثابتة من توصيف أفعاله سبحانه بأوصاف الزمانيات من التعاقب والترتيب ووقوعه في اليوم دون أمس إلى غير ذلك إما في الأفعال في أنفسها أو بالنسبة إلينا بلا تغير في ذاته تعالى وتجدد وتصرم بالنسبة إليه سبحانه، وكون بعضها بالفعل وبعضها بالقوة له تعالى، ولا استبعاد فيه، فإن جميع الأمور الإلهية غريبة عجيبة لا تدركها الابصار (5)، ولا يخطر ببال أولي الروايات خاطرة من تقدير جلاله، و لا يصل إليه ألباب البشر بالتفكير، بل ترجع خاسئة حسيرة، ونهاية علم الراسخين