على الألف والعادة ولا أصل لهما أصلا، فصاحب هذا المسلك يقول بأن الزمان والحركات وسلسلة الحوادث كلها متناهية في طرف الماضي، وأن جميع الممكنات ينتهي في جهة الماضي في الخارج إلى عدم مطلق ولا شئ بحت لا امتداد فيه ولا تكمم ولا تدريج ولا قارية ولا سيلان، وقبل ابتداء الموجودات لا شئ إلا الواحد القهار وقوله (ينتهي الموجودات إلى عدم مطلق) وكذا قوله (قبل ابتداء الموجودات لا شئ محض) من ضيق العبارة، ولا تتصور القبلية والانتهاء إلى العدم حقيقة، ونظير تناهي الزمان والامتداد الغير القار تناهي المكان والابعاد القارة، فإن الابعاد القارة والأمكنة تنتهي إلى العدم المطلق للأبعاد والجسمانيات، ولا يتصور وراء آخر الأجسام بعد ولا فضاء، لا بعد موجود ولا موهوم، حتى أنه لو مد أحد يده فيه لا يتحرك يده ولا يلج فيه، لا لوجود حسم لا يمكن خرقه، ولا لمصادم يمنعها، بل للعدم المطلق للبعد والفضاء. وقد روي عن الصادق أنه قال بعد عد أجسام العالم (ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق، ولا شئ يتوهم) فكذا الحال في انقطاع الزمان وجميع الموجودات الممكنة في جهة الماضي لا يتصور فيه امتداد أصلا، لا موجود كما زعم الحكماء ولا موهوم كما توهمه المتكلمون، فلا يمكن فيه حركات كما استدل به الحكماء على عدم تناهي الزمان، بل لا شئ مطلق وعدم صرف، ولما ألف الناس بالابعاد القارة وجسم خلف جسم تعسر تصور عدمه على بعض المتكلمين وذهب إلى الابعاد الموهومة الغير المتناهية وقال بالخلاء، وكذا لما شاهدوا موجودا قبل موجود وزمانا قبل زمان صعب عليهم تصور اللاشئ المحض فذهب طائفة من الحكماء إلى لا تناهي الزمان الموجود، وطائفة من المتكلمين إلى لا تناهي الزمان الموهوم، و لكن تصور اللازمان المطلق أصعب من تصور اللا مكان ويحتاج إلى زيادة دقة ولطف قريحة.
وأقول: وهذا الجواب في غاية المتانة، واختاره السيد المرتضى والشيخ الكراجكي وغيرهما، قال السيد في جواب شبهة القائل بالقدم في تضاعيف كلامه:
غير أن الصانع القديم يجب أن تتقدم صنعته بما إذا قدرناه أوقاتا وأزمانا كانت