بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٤ - الصفحة ٢٨٢
ووجود الواجب سبحانه أمر ثابت لا يتصور فيه شائبة تدريج وانقسام، فأي مناسبة بينه وبين ما ينتزع منه؟ فجوابه أن ما ادعيت من لزوم تحقق المناسبة بين كل انتزاعي ومنشأ انتزاعه حكم غير بين ولا مبين، ولئن سلمنا لزومه فهو لا ينحصر فيما نفهمه من الزمان من معنى التجدد والاتصال، ولعله تتحقق مناسبة ما بينهما من جهة أخرى خفية عن إدراكنا، وعدم الوجدان لا يعطي العدم، ألا ترى أن أكثر الانتزاعيات كالزوجية والفردية والفوقية والتحتية وغيرها ينتزع من محالها ولا يحكم وجداننا بتحقق مناسبات تفصيلية كل منتزع وما ينتزع منه، وذلك إما لعدم لزوم تحققها في الواقع، أو لعدم اطلاعنا على تفاصيلها، وأيام ما كان فليكن الامر فيما نحن بصدده كذلك، على أنه يرد مثل ذلك على الفلاسفة أيضا، إذ الزمان والحركة بمعنى القطع منتزعان عندهم من الآن السيال والحركة التوسطية مع مباينتهما فيما ذكره المورد من الأوصاف (1).

(1) لا ريب في عدم ثبوت واسطة بين الوجود والعدم ولا احتمله أحد من الخاصة، وهذا لعمري من الواضحات بل البديهيات، وان تفوه بعض متكلمي العامة بثبوت الواسطة وقال بالأحوال والثابتات! وكيف كان فلا يظن بالمؤلف رحمه الله مخالفته لجميع الأصحاب، وموافقته للمعتزلة في هذا الباب، فمعنى ما ذكره من كون الأمور الانتزاعية غير موجودة في الخارج ولا معدومة صرفة انها عناوين ذهنية يتوسل بها إلى درك الحقائق الخارجية، فهي موجودة في الذهن معدومة في الخارج ولا تتعدى حد الذهن ابدا وليست كالماهيات الحقيقية التي تتحد في الخارج مع الوجود الخارجي وفي الذهن مع الوجود الذهني لكن لها مناشئ انتزاع حقيقة خارجية متناسبة معها، ولا يمكن انتزاع عنوان من شئ الا لأجل تلك المناسبة والا لأمكن انتزاع كل شئ من كل شئ، وكذا لا يمكن للعقل انتزاع عنوان من شئ لا يدرك مناسبته لذلك العنوان لان الانتزاع فعل العقل والعقل إنما يفعل ما يدرك، فلا يكفي فرض مناسبة خفية عن ادراكه وهو بمكان من الوضوح، وعلى هذا فلو فرض كون الزمان أمرا انتزاعيا فلا محيص عن الالتزام بادراك العقل مناسبته مع منشأ انتزاعه، والمعنى الذي يحكى عنه لفظة (الزمان) هو أمر تدريجي لا يكاد يوجد جزءان منه معا، فهل له مناسبة الا مع الحركة التي هي أيضا كذلك؟ وهل له مناسبة مع ذات البارئ سبحانه التي لا يتطرق إليها تغير وتدرج، ونقص وقصور، وزوال ودثور؟ سبحان الله عما يصفون. وسيأتي من المؤلف ره الاستظهار من روايات كثيرة جدا ان الله تعالى غير مقارن للزمان أصلا، وان الزمان من المقادير، وان حدوث العالم ليس بمعنى سبق زمان عليه.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * أبواب * * كليات أحوال العالم وما يتعلق بالسماويات * * الباب الأول * حدوث العالم وبدء خلقه وكيفيته وبعض كليات الأمور 2
3 تفسير الآيات، وبحث وتحقيق حول: " خلق السماوات والأرض في ستة أيام " 6
4 تحقيق في خلق الأرض قبل السماء، أم السماء قبلها 22
5 معنى الحدوث والقدم 31(ه‍)
6 اخبار وخطب في التوحيد 32
7 فيما قاله الرضا عليه السلام لعمران الصابي، وفيه بيان 47
8 الدليل على حدوث الأجسام 62
9 في أن أول ما خلقه الله النور 73
10 في خلق الأشياء 77
11 تفسير قوله تعالى: " وكان عرشه على الماء " 95
12 في إماتة الخلق 104
13 الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين (ع) في التوحيد وخلق الأشياء، وفيها بيان 106
14 الخطبة التي خطبها علي عليه السلام، ويذكر فيه ابتداء خلق السماوات... 176
15 في خلق الأشياء من الأنوار الخمسة الطيبة عليهم السلام 192
16 في أن أول ما خلق الله تعالى نور حبيبه محمد صلى الله عليه وآله 198
17 في أن الله تعالى خلق أرض كربلا قبل أن يخلق أرض الكعبة، ودحي الأرض من تحتها 202
18 بيان في علة تخصيص الستة أيام بخلق العالم، وتحقيق حول: اليوم، والسنة القمرية والشمسية، ومعنى الأسبوع في خلق الله 216
19 في بيان معاني الحدوث والقدم 234
20 في تحقيق الأقوال في ذلك 238
21 في كيفية الاستدلال بما تقدم من النصوص 254
22 الدلائل العقلية، وبطلان التسلسل 260
23 في دفع بعض شبه الفلاسفة الدائرة على ألسنة المنافقين والمشككين 278
24 بحث وتحقيق في أول المخلوقات 306
25 بحث وتحقيق ورفع اشكال عن آيات سورة السجدة... 309
26 * الباب الثاني * العوالم ومن كان في الأرض قبل خلق آدم عليه السلام ومن يكون فيها... 316
27 معنى قوله تعالى: " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق " والأقوال في هذه الأمة 316
28 في عدد مخلوقات الله تعالى 318
29 في الجن والنسناس 323
30 جابلقا وجابرسا، وقول الصادق عليه السلام: من وراء شمسكم أربعين شمس 329
31 فيما سئله موسى عليه السلام عن بدء الدنيا 331
32 بحث وتحقيق رشيق حول اخبار العوالم وجابلقا وجابرسا، وفي الذيل ما يناسب المقام 349
33 بحث حول عالم المثال 354
34 العلة التي من أجلها سميت الدنيا دنيا والآخرة آخرة 355
35 * الباب الثالث * القلم، واللوح المحفوظ، والكتاب المبين، والامام المبين، وأم الكتاب 357
36 تفسير الآيات 358
37 في اللوح المحفوظ والقلم 362
38 في أن اللوح من درة بيضاء 376