(المقصد الثالث) * (في كيفية الاستدلال بما تقدم من النصوص) * فأقول: إذا أمعنه النظر فيما قدمناه، وسلكت مسلك الانصاف، ونزلت عن مطية التعنت والاعتساف، حصل لك القطع من الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة الواردة بأساليب مختلفة، وعبارات متفننة، من اشتمالها على بيانات شافية وأدلة وافية، بالحدوث بالمعنى الذي أسلفناه. ومن تتبع كلام العرب وموارد استعمالاتهم وكتب اللغة، يعلم أن الايجاد، والاحداث، والخلق، والفطر، و الابداع، والاختراع، والصنع، والابداء، لا تطلق إلا على الايجاد بعد العدم.
قال المحقق الطوسي ره في شرح الإشارات: إن أهل اللغة فسروا الفعل بإحداث شئ وقال أيضا: الصنع إيجاد شئ مسبوق بالعدم، وفي اللغة: الابداع الاحداث، ومنه (البدعة) لمحدثات الأمور، وفسروا الخلق بإبداع شئ بلا مثال سابق. وقال ابن سينا في رسالة الحدود: الابداع اسم مشترك لمفهومين: أحدهما تأييس شئ لاعن شئ ولا بواسطة شئ، والمفهوم الثاني أن يكون للشئ وجود مطلق عن سبب بلا متوسط وله في ذاته أن يكون موجودا، وقد أفقد الذي في ذاته افقادا تاما.
ونقل في الملل والنحل عن ثاليس الملطي أنه قال: الابداع هو تأييس ما ليس بأيس، فإذا كان مؤيس الآيسات فالتأييس لا من شئ متقادم (انتهى).
ومن تتبع الآيات والاخبار لا يبقى له ريب في ذلك كقوله (لا من شئ فيبطل الاختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداع) مع أنه قد وقع التصريح بالحدوث بالمعنى المعهود في أكثر النصوص المتقدمة، بحيث لا يقبل التأويل، وبانضمام الجميع بعضها مع بعض يحصل القطع بالمراد. ولذا ورد أكثر المطالب الأصولية الاعتقادية كالمعاد الجسماني وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وأمثالهما في كلام صاحب الشريعة بعبارات مختلفة وأساليب شتى، ليحصل الجزم بالمراد من جميعها، مع أنها