ونبه على أنه المستحق له على هذه النعم الجسام حمد أو لم يحمد ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون، وجمع السماوات دون الأرض وهي مثلهن لان طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار والحركات وقدمها لشرفها وعلو مكانها (وجعل الظلمات والنور) أي أنشأهما والفرق بين (خلق) و (جعل) الذي له مفعول واحد أن (خلق) فيه معنى التقدير و (جعل) فيه معنى التضمين، ولذلك عبر عن إحداث النور والظلمة بالجعل تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والاجرام الحاملة لها أو لان المراد بالظلمة الضلال وبالنور الهدى، والهدى واحد والضلال متعدد. وتقديمها لتقدم الاعدام على الملكات.
(في ستة أيام) المشهور أن المراد بالأيام هنا مقدار أيام الدنيا، وروي عن ابن عباس أنها من أيام الآخرة كل يوم منها ألف سنة مما تعدون.
أقول: وبمثل هذا الخبر لا يمكن صرف الآية عن ظاهرها. ثم إنه سبحانه إنما خلق في هذه المدة مع أنه كان قادرا على خلقها في طرفة عين إما لعبرة من خلقها من الملائكة، إذ الاعتبار في التدريج أكثر كما ورد في الخبر، أو ليعلم بذلك أنها صادرة من قادر مختار عالم بالمصالح ووجوه الاحكام، إذ لو حصلت من مطبوع أو موجب لحصلت في حالة واحدة، أو ليعلم الناس التأني في الأمور وعدم الاستعجال فيها كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام (ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق ولكنه جعل الاناء (1) والمداراة مثالا لأمنائه وإيجابا للحجة على خلقه).
وأورد هنا إشكال وهو أن اليوم إنما يحصل بحركة الشمس وطلوعها وغروبها فما معنى اليوم ههنا؟ ويمكن أن يجاب بوجوه:
الأول: أن مناط تمايز الأيام وتقدرها إنما هو حركة الفلك الأعلى دون السماوات السبع، والمخلوق في الأيام المتمايزة إنما هو السماوات السبع و