(الذي خلق فسوى) أي خلق كل شئ فسوى خلقه بأن جعل له ما به يتأتي كما له ويتم معاشه (والذي قدر) أي قدر أجناس الأشياء وأنواعها و أشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها (فهدى) فوجهه إلى أفعاله طبعا أو اختيارا بخلق الميول والالهامات، ونصب الدلائل وإنزال الآيات.
* (تحقيق في دفع شبهة) * اعلم أن بعض الملاحدة أوردوا تناقضا بين آيات سورتي البقرة والسجدة و بين آيات سورة النازعات، حيث زعموا أن الأولة تدل على تقدم خلق الأرض على السماء والأخيرة على العكس. وأجيب عنه بوجوه:
أحدها: أن خلق الأرض قبل السماء إلا أن دحوها متأخر عن خلق السماء.
واستشكل بوجهين: الأول: أن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية فإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة أيضا متأخرا عن خلق السماء. والثاني: أن الآية الأولى تدل على أن خلق الأرض وخلق كل ما فيها مقدم على خلق السماء، وخلق الأشياء في الأرض لا يكون إلا بعد ما كانت مدحوة. وأجيب: عن الأول بأنا لا نسلم امتناع انفكاك خلق الأرض عن دحوها والمناقشة في إطلاق خلق الأرض على إيجادها غير مدحوة مناقشة لفظية. وعر الثاني بأن قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها) يقتضي تقدم خلق السماء على دحو الأرض، ولا يقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض، فجاز أن تكون تسوية السماء متأخرة عن دحو الأرض فيكون خلق الأرض قبل السماء وخلق السماء قبل دحو الأرض، ودحو الأرض قبل تسوية السماء، فارتفع التنافي. ويرد عليه أن الآية الثالثة تقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض، والثانية تقتضي تقدم خلق الأرض بما فيها على تسويتها سبع سماوات، وخلق ما في الأرض قبل دحوها مستبعد. ويمكن أن يجاب بأن المراد بالخلق في الأولى التقدير وهو شائع في العرف واللغة، أو بأن المراد بخلق ما في الأرض خلق موادها كما أن خلق