بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٤ - الصفحة ٣٠٦
والالهام، وبعثهم الله لتكميل الانعام. لشبه واهية اعترف مبدؤها بضعفها، حيث قال الشيخ وأرسطو: إنها مسألة جدلية الطرفين فيا إخوان الدين، وخلان اليقين إن لم يغلب على قلوبكم الرين، فافتحوا العين، وارفعوا العناد من البين، وانظروا بأبصار مكحولة بالانصاف مشفية من رمد التعصب والاعتساف، فتكونوا في أصول الدين من أصحاب اليقين، وتدخلوا في حزب الأنبياء والأوصياء و الصديقين، ولا تعتمدوا على أصولكم، ولا تتكلموا على عقولكم، لا سيما في المقاصد الدينية، و المطالب الإلهية، فإن بديهة العقل كثيرا ما تشتبه ببديهة الوهم، والمألوفات الطبيعية بالأمور اليقينية، والمنطق لا يفي بتصحيح مواد الأقيسة، وزن أفكارك بميزان الشرع المبين، ومقياس الدين المتين، وما تحقق صدوره عن الأئمة الراسخين، صلوات الله عليهم أجمعين، لئلا تكون من الهالكين.
(تكملة) اعلم أن العلماء اختلفوا في أول المخلوقات، واختلف الاخبار أيضا في ذلك فالحكماء يقولون: أول المخلوقات العقل الأول، ثم العقل الأول خلق العقل الثاني والفلك الأول، وهكذا إلى أن انتهى إلى العقل العاشر فهو خلق الفلك التاسع وهيولي العناصر، وجماعة منهم يقول بأن تلك العقول وسائط لايجاده تعالى ولا مؤثر في الوجود إلا الله، وكل ذلك مخالف لما ظهر وتبين من الآيات و الاخبار، وأجمع عليه المليون (1).

(1) العقول العشرة فرضية فرضها المشاؤون لتصحيح صدور الكثير من الواحد وهي مبتنية على وجود الأفلاك التسعة وكونها ذوات نفوس مريدة ولا برهان على شئ منها، لكن لا مجال لانكار العالم العقلي في الجملة، وقد أشبع الكلام في اثباته في الكتب الحكمية لا سيما في الحكمة المتعالية، فلنشر ههنا إلى ما يستفاد من الاخبار الشريفة فنقول:
الروايات التي وردت في تعيين أول ما خلق الله تعالى على صنفين: منها ما هو صريح في تعيين جسم ما كالماء مثلا، ومنها ما يتشابه المراد منه في بدء الامر هل هو جسم أو غير جسم؟
مثل ما ورد في كونه نور النبي صلى الله عليه وآله أو العقل أو القلم لكن فيها ما يفسر سائر الروايات ويوضحها كما ورد في أن نور النبي صلى الله عليه وآله خلق قبل خلق المكان، وقد أسلفنا ان تنزهه عن لوازم المادة من الزمان والمكان دليل تجرده عنها، والتجرد لا ينفك عن العقل كما ثبت في محله. وفي الروايات إشارات إلى تجرد العقل والقلم أيضا ولعنا نوفق للتنبيه عليها إن شاء الله تعالى فالجمع بين ما يدل على كون أول ما خلق الله نور النبي صلى الله عليه وآله أو العقل أو قلم وبين ما يدل على كونه الماء مثلا بحمل الأول على أول المجردات والثاني على أول الماديات وأما الجمع بين ما يدل على كونه نور النبي صلى الله عليه وآله وبين ما يدل على كونه العلل أو القلم فان قيل بوحدة الجميع أو كونها مراتب حقيقة واحدة فواضح وإلا فحمل الأولية على الإضافية دون الحقيقية.
وقد مر تصريح ثلة من أساطين العلم والحكمة على كون خلق المحلوق الأول قبل خلق الزمان بل على جواز وجود موجودات كثيرة قبل وجود الزمان، وقد أشرنا عند ذكر كلامهم إلى أن ذلك لا ينفك عن تجرد الصادر الأول أو كل ما وجد بلا زمان فتذكر
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * أبواب * * كليات أحوال العالم وما يتعلق بالسماويات * * الباب الأول * حدوث العالم وبدء خلقه وكيفيته وبعض كليات الأمور 2
3 تفسير الآيات، وبحث وتحقيق حول: " خلق السماوات والأرض في ستة أيام " 6
4 تحقيق في خلق الأرض قبل السماء، أم السماء قبلها 22
5 معنى الحدوث والقدم 31(ه‍)
6 اخبار وخطب في التوحيد 32
7 فيما قاله الرضا عليه السلام لعمران الصابي، وفيه بيان 47
8 الدليل على حدوث الأجسام 62
9 في أن أول ما خلقه الله النور 73
10 في خلق الأشياء 77
11 تفسير قوله تعالى: " وكان عرشه على الماء " 95
12 في إماتة الخلق 104
13 الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين (ع) في التوحيد وخلق الأشياء، وفيها بيان 106
14 الخطبة التي خطبها علي عليه السلام، ويذكر فيه ابتداء خلق السماوات... 176
15 في خلق الأشياء من الأنوار الخمسة الطيبة عليهم السلام 192
16 في أن أول ما خلق الله تعالى نور حبيبه محمد صلى الله عليه وآله 198
17 في أن الله تعالى خلق أرض كربلا قبل أن يخلق أرض الكعبة، ودحي الأرض من تحتها 202
18 بيان في علة تخصيص الستة أيام بخلق العالم، وتحقيق حول: اليوم، والسنة القمرية والشمسية، ومعنى الأسبوع في خلق الله 216
19 في بيان معاني الحدوث والقدم 234
20 في تحقيق الأقوال في ذلك 238
21 في كيفية الاستدلال بما تقدم من النصوص 254
22 الدلائل العقلية، وبطلان التسلسل 260
23 في دفع بعض شبه الفلاسفة الدائرة على ألسنة المنافقين والمشككين 278
24 بحث وتحقيق في أول المخلوقات 306
25 بحث وتحقيق ورفع اشكال عن آيات سورة السجدة... 309
26 * الباب الثاني * العوالم ومن كان في الأرض قبل خلق آدم عليه السلام ومن يكون فيها... 316
27 معنى قوله تعالى: " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق " والأقوال في هذه الأمة 316
28 في عدد مخلوقات الله تعالى 318
29 في الجن والنسناس 323
30 جابلقا وجابرسا، وقول الصادق عليه السلام: من وراء شمسكم أربعين شمس 329
31 فيما سئله موسى عليه السلام عن بدء الدنيا 331
32 بحث وتحقيق رشيق حول اخبار العوالم وجابلقا وجابرسا، وفي الذيل ما يناسب المقام 349
33 بحث حول عالم المثال 354
34 العلة التي من أجلها سميت الدنيا دنيا والآخرة آخرة 355
35 * الباب الثالث * القلم، واللوح المحفوظ، والكتاب المبين، والامام المبين، وأم الكتاب 357
36 تفسير الآيات 358
37 في اللوح المحفوظ والقلم 362
38 في أن اللوح من درة بيضاء 376