(المقصد الخامس) في دفع بعض شبه الفلاسفة الدائرة على ألسنة المنافقين، والمشككين القاطعين لطريق الطالبين للحق واليقين، وفيه مراصد:
المرصد الأول: قالوا: إذا لاحظنا الواجب تعالى شأنه في طرف، وجميع ما عداه بحيث لا يشذ منها شئ في طرف آخر، فحينئذ إما أن يكون الواجب سبحانه علة تامة لشئ ما أولا؟ وبعبارة أخرى: جميع ما لابد منه في وجود شئ ما سواء كان ذلك الشئ الإرادة الزائدة أو غيرها إما ذاته تعالى أولا؟ وعلى الأول يكون ذلك الشئ معه دائما في الأزل، لاستحالة تخلف المعلول عن العلة التامة، وعلى الثاني يستحيل وجود شئ ما أبدا، لاستحالة التغير في ذاته تعالى. وبعبارة أخرى وبوجه أبسط وهو أن يقال: ذات الواجب تعالى إما أن يستجمع جميع شرائط التأثير في الأزل أولا؟ وعلى الأول يلزم قدم الأول (1) بالضرورة، لامتناع التخلف عن الموجب التام، وعلى الثاني توقف وجود الأثر وهو العالم على شرط حادث، وننقل الكلام إليه حتى يلزم التسلسل:
اما على سبيل الاجتماع: وهو باطل بما مر، وأيضا نقول: إذا أخذنا مجموع تلك الشروط بحيث لا يشذ عنها شرط، فإما أن يتوقف وجودها على شرط آخر غير ذات الواجب تعالى خارج عن مجموع الشروط، فلم يكن ما فرضناه جميعا جميعا وهذا خلف، أو لا يتوقف فيكون الذات وحده مستقلا بإيجاد ذلك المجموع، فإما أن يكون اجتماعها في آن حدوث الأثر فيلزم إما حدوث الواجب بالذات، وإما تخلف الشروط عن موجبها التام وكلاهما محالان، أو يكون اجتماعها في الأزل فيلزم قدم أشخاص غير متناهية من العالم هي الشروط، بل والمشروط وجوده بها أيضا، وإلا لزم تخلف المشروط عن موجبه التام وهو الواجب مع جميعها، إذا المفروض عدم شرط خارج عن المجموع. أو على سبيل تعاقب تلك الشروط إما في الحدوث