وكذا ما قيل من أن اتصافه تعالى بالبقاء يتوقف على تحقق زمان، إذا لمفهوم منه وجود أمر في آن مسبوق بوجود ذلك الامر في آن آخر يتقدمه، فلو كان الزمان منتزعا من الذات المتصفة بالبقاء لزم الدور، مدفوع بأن هذه العبارة صدرت منهم مسامحة واتكالا على وضوح الامر، بل المنشأ لانتزاع الزمان هو وجوده سبحانه الذي يمتنع عليه طريان العدم بمدخلية هذا الوصف، وظاهر أن هذا الوصف ثابت له سبحانه في ذاته من غير توقف على اعتبار بقاء أو زمان أو غير ذلك، لان هذا الوصف من لوازم الوجود الذاتي الذي هو عين ذاته، أو أمر لا يحتاج ثبوته للذات إلى أمر سوى الذات، ومجرد الاستلزام بين الوصف المذكور والبقاء غير كاف فيما المعترض بصدده كما لا يخفى، فإن انتزاع البقاء بالمعنى المذكور عن الذات متأخر عن ثبوت هذا الوصف، بل عن انتزاع الزمان أيضا.
وأورد عليه أيضا أنه لو كان منتزعا منه سبحانه لكان صفة له كما هو شأن سائر ما ينتزع منه، كالعلم والإرادة والقدرة والخلق وغير ذلك من المعاني المصدرية والتالي باطل لأنه سبحانه لا يتصف بالزمان لا بالحمل مواطاة وهو ظاهر، ولا اشتقاقا لأنه ليس بزماني كما أنه ليس بمكاني كما تشهد به العقول السليمة والنصوص الواردة عن الصادقين عليهم السلام.
وأجيب عنه أولا بأنا لا نسلم أن كل ما ينتزع من شئ يجب أن يكون صفة له، لان مناط كون شئ صفة لشئ هو وجود العلاقة الناعتية بينهما، وكون انتزاع شئ من شئ مطلقا مستلزما لوجود تلك العلاقة غير بين ولا مبين، ومن تصدى له فعليه البيان (1)، وأما ثانيا فلانا لو سلمنا ذلك نقول: ما ورد من النصوص من أنه ليس بزماني ولا مكاني معناه أنه كما لا يحيط به مكان حتى يكون ظرفا له مشتملا عليه كذلك لا يحيط به زمان حتى يتقدم عليه جزء من ذلك الزمان، أو يتأخر عنه جزء آخر منه، فيكون وجوده مقارنا لحد خاص من الزمان مسبوقا بحد آخر منه خال عن وجوده، فيكون ذلك الحد ماضيا بالنسبة إلى وجوده الحق