سبيل الاحتمال كاف لحل بعض شبهاتهم على الحدوث. وقيل: ومما يدل من جهة العقل على استحالة عروض الزمان له تعالى أن الزمان حقيقته تجدد شئ، و تقضي شئ وتصرمه وهذا ظاهر عند العقل ومبين مشروحا في الكتب، وتجدد شئ وانقضاء شئ آخر محال على الله تعالى كما يدل عليه العقل والنقل (انتهى) وإذا تمهد هذا مع ما نقلنا سالفا من تحقيق الدهر والسرمد نقول في دفع شبههم:
على تقدير الحدوث لا نسلم لزوم التخلف عن العلة التامة، وإنما يتصور التخلف لو كانت العلة زمانية ووجدت العلة في زمان ولم يوجد المعلول معه في ذلك الزمان وهنا لعل العلة أو العلة والمعلول كليهما لم يكونا زمانيين، أما العلة فقد مر، و أما المعلول فالكلام في الصادر الأول، وهناك لم يوجد زمان وزماني أصلا، ولا شئ إلا الواحد القهار. وبالجملة إذا كانت العلة والمعلول كلاهما زمانيين يجب أن يجمعهما آن أو زمان، وإلا فلا، ونظيره التخلف المكاني، فإنه لو كانا مكانين يتصور الاجتماع والافتراق والمماسة والمماسة، وأما إذا لم يكن أحدهما أو كلاهما مكانين لم يتصور أمثال هذه الأمور، وكذا إنما يتصور الترجيح بلا مرجح إذا كان تحقق زمان وقع أمر في جزء منه دون جزء، وصدر المعلول من العلة مرة ولم يصدر مرة أخرى، وقبل خالق العالم الزمان والزمانيات معدومة مطلقا ونفي صرف لا يجري فيه أمثال هذه الأوهام الكاذبة المخترعة الناشئة من الألفة بالزمان والمكان. ولعله يذهب بعض الأوهام إلى أن العالم لم وجد في المكان الذي فيه الآن ولم يوجد فوقه أو تحته أو غيرهما من الجهات؟ إلى غير ذلك من الأوهام والخيالات الواهية! والواجب جل شانه مقدس عن أمثال هذه الأمور ولا يبلغ إلى كنه عظمته وجلاله عقل عاقل وذهن ذاهن، ولا يحوم حول كبريائه فكر مخلوق وما قيل إنا نجزم بأن بعض الأمور مقدم على بعض وأن بعضها مع بعض ولو لم يكن الامتداد كذلك، بل ولو لم يكن فلك ولا حركة ولا ليل ولا نهار فممنوع، ومثل هذا ما يقال في الامتداد المكاني انا نجزم بتقدم بعض الحدود على البعض بالتقدم والتأخر الوضعي والرتبي ولو لم يكن جسم ومتمكن، وبه يثبتون البعد الموهوم الغير المتناهي الذي هو الخلاء، ولعل توهم هذين الامتدادين مما يحكم به الوهم