صلى الله عليه وآله كالبعير الشارد، يقاد كرها وعينه تدمع، وأنفه ترمع، وقلبه يجزع، هذا وكم له من يوم عصيب برز فيه إلى المشركين بنية صادقة، وبرز غيره وهو أكشف أميل أجم أعزل، ألا وإني مخبركم بخبر على أنه مني بأوباش كالمراطة بين لغموط وحجابه وفقامه ومغذمر ومهزمر، حملت به شوهاء شهواء في أقصى مهيلها، فأتت به محضا بحتا، وكلهم أهون على علي من سعدانة بغل، أفمثل هذا يستحق الهجاء، وعزمه الحاذق، وقوله الصادق، وسيفه الفالق، وإنما يستحق الهجاء من سامه إليه، وأخذ الخلافة، وأزالها عن الوارثة، وصاحبها ينظر إلى فيئه، وكأن الشبادع تلسبه، حتى إذا لعب بها فريق بعد فريق، وخريق بعد خريق، اقتصروا على ضراعة الوهز، وكثرة الأبز، ولو ردوه إلى سمت الطريق والمرت البسيط، والتامور العزيز، ألفوه قائما، واضعا الأشياء في مواضعها، لكنهم انتهزوا الفرصة، واقتحموا الغصة، وباؤا بالحسرة.
قال: فأربد وجه الوليد وتغير لونه، وغص بريقه، وشرق بعبرته، كأنما فقئ في عينه حب المض الحاذق، فأشار عليه بعض جلسائه بالانصراف وهو لا يشك أنه مقتول به، فخرج فوجد بعض الاعراب الداخلين، فقال له: هل لك أن تأخذ خلعتي الصفراء وآخذ خلعتك السوداء وأجعل لك بعض الجائزة حظا؟ ففعل الرجل وخرج الأعرابي فاستوى على راحلته، وغاص في صحرائه، وتوغل في بيدائه، و اعتقل الرجل الآخر فضرب عنقه، وجيئ به إلى الوليد، فقال: ليس هو هذا بل صاحبنا، وأنفذ الخيل السراع في طلبه فلحقوه بعد لأي، فلما أحس بهم أدخل يده إلى كنانته يخرج سهما سهما يقتل به فارسا، إلى أن قتل من القوم أربعين و انهزم الباقون، فجاؤوا إلى الوليد فأخبروه بذلك، فأغمي عليه يوما وليلة أجمع قالوا: ما تجد؟ قال: أجد على قلبي غمة كالجبل من فوت هذا الأعرابي فلله دره.
بيان: اسحنفر الرجل: مضى مسرعا، ويقال: ثعجرت الدم وغيره فاثعنجر أي صببته فانصب، وذفري البعير أصل أذنيها، وأغذ السير أسرع، ويقال إلى يؤلي