أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله ولحقت البعير لأحتبسه فنفحني (1) برجله في وجهي فحطمه وذهب بعيني، فأصبحت لا مال ولا أهل ولا ولد ولا بصر، فقال الوليد: انطلقوا إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاءا، وشخص عروة إلى المدينة فأتته قريش والأنصار فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله: أبشر يا أبا عبد الله! فقد صنع الله بك خيرا والله ما بك حاجة إلى المشي فقال: ما أحسن ما صنع الله بي، وهب لي سبعة بنين فمتعني بهم ما شاء، ثم أخذ واحدا وترك ستة، ووهب لي ستة جوارح متعني بهن ما شاء، ثم أخذ واحدة وترك خمسا: يدين ورجلا وسمعا وبصرا ثم قال: إلهي لئن كنت أخذت لقد أبقيت، وإن كنت ابتليت لقد عافيت (2).
7 - تنبيه الخاطر: روي أنه لما نزع معاوية بن يزيد بن معاوية نفسه من الخلافة، قام خطيبا فقال: أيها الناس ما أنا بالراغب في التأمر عليكم، ولا بالآمن لكراهتكم بل بلينا بكم وبليتم بنا، إلا أن جدي معاوية نازع الامر من كان أولى بالأمر منه في قدمه وسابقته علي بن أبي طالب، فركب جدي منه ما تعلمون، وركبتم معه ما لا تجهلون، حتى صار رهين عمله، وضجيع حفرته، تجاوز الله عنه، ثم صار الامر إلى أبي، ولقد كان خليقا أن لا يركب سننه، إذ كان غير خليق بالخلافة فركب ردعه (3) واستحسن خطأه فقلت مدته وانقطعت آثاره، وخمدت ناره، ولقد أنسانا الحزن به الحزن عليه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أخفت (4) يترحم على أبيه.
ثم قال: وصرت أنا الثالث من القوم الزاهد فيما لدي أكثر من الراغب وما كنت لأتحمل آثامكم، شأنكم وأمركم خذوه، من شئتم ولايته فولوه قال: