ولما أخذت الرابعة فوضعتها في فم علي سمعت النداء من [قبل] الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا علي، فقلت موافقا لقول الله عز وجل، ثم ناولت عليا رطبة أخرى ثم أخرى وأنا أسمع صوت الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا علي ثم قمت إجلالا لرب العزة جل جلاله، فسمعته يقول: يا محمد وعزتي وجلالي، لو ناولت عليا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له: هنيئا مريئا بغير انقطاع.
وروي في بعض الأخبار أن أعرابيا أتى الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا رسول الله لقد صدت خشفة غزالة وأتيت بها إليك هدية لولديك الحسن والحسين، فقبلها النبي (صلى الله عليه وآله) ودعا له بالخير فإذا الحسن (عليه السلام) واقف عند جده فرغب إليها فأعطاه إياها فما مضى ساعة إلا والحسين (عليه السلام) قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فقال:
يا أخي من أين لك هذه الخشفة؟ فقال الحسن (عليه السلام): أعطانيها جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسار الحسين (عليه السلام) مسرعا إلى جده فقال: يا جداه أعطيت أخي خشفة يلعب بها ولم تعطني مثلها، وجعل يكرر القول على جده، وهو ساكت لكنه يسلي خاطره ويلاطفه بشئ من الكلام حتى أفضى من أمر الحسين (عليه السلام) إلى أن هم يبكي.
فبينما هو كذلك إذ نحن بصياح قد ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية ومعها خشفها، ومن خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتضربها بأحد أطرافها حتى أتت بها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ثم نطقت الغزالة بلسان فصيح وقالت: يا رسول الله قد كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصياد وأتى بها إليك وبقيت لي هذه الأخرى وأنا بها مسرورة وإني كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول: أسرعي أسرعي يا غزالة، بخشفك إلى النبي محمد وأوصليه سريعا لان الحسين واقف بين يدي جده وقد هم أن يبكي، والملائكة بأجمعهم قد رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة، ولو بكى الحسين (عليه السلام) لبكت الملائكة المقربون لبكائه.
وسمعت أيضا قائلا يقول: أسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع على خد الحسين (عليه السلام) فإن لم تفعلي سلطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفك فأتيت