فلما رأت رسول الله (صلى الله عليه وآله) صارت كأنها خيط فالتفت إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال ألا تدري ما تقول هذه يا أخا كندة؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: قالت:
الحمد لله الذي لم يمتني حتى جعلني حارسا لابني رسول الله، وجرت في الرمل رمل الشعاب فنظرت إلى شجرة لا أعرفها بذلك الموضع لأني ما رأيت فيه شجرة قط قبل يومي ذلك، ولقد أتيت بعد ذلك اليوم أطلب الشجرة فلم أجدها، وكانت الشجرة أظلتهما بورق، وجلس النبي بينهما فبدأ بالحسين فوضع رأسه على فخذه الأيمن ثم وضع رأس الحسن على فخذه الأيسر ثم جعل يرخي لسانه في فم الحسين، فانتبه الحسين فقال: يا أبه، ثم عاد في نومه، فانتبه الحسن، وقال: يا أبه، وعاد في نومه.
فقلت: كأن الحسين أكبر فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة، سل أمه عنه، فلما انتبها حملهما على منكبه، ثم أتيت فاطمة فوقفت بالباب فأتت حمامة وقالت: يا أخا كندة! قلت: من أعلمك أني بالباب فقالت: أخبرتني سيدتي أن بالباب رجلا من كندة من أطيبها أخبارا يسألني عن موضع قرة عيني. فكبر ذلك عندي.
فوليتها ظهري كما كنت أفعل حين أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منزل أم سلمة فقلت لفاطمة: ما منزلة الحسين؟ قالت: إنه لما ولدت الحسن أمرني أبي أن لا ألبس ثوبا أجد فيه اللذة حتى أفطمه فأتاني أبي زائرا فنظر إلى الحسن وهو يمص الثدي فقال فطمته؟ قلت: نعم، قال: إذا أحب علي الاشتمال، فلا تمنعيه فإني أرى في مقدم وجهك ضوءا ونورا وذلك أنك ستلدين حجة لهذا الخلق فلما تم شهر من حملي وجدت في سخنة فقلت لأبي ذلك فدعا بكوز من ماء، فتكلم عليه وتفل عليه، وقال: اشربي، فشربت فطرد الله عني ما كنت أجد، وصرت في الأربعين من الأيام فوجدت دبيبا في ظهري كدبيب النمل في بين الجلدة والثوب فلم أزل على ذلك حتى تم الشهر الثاني، فوجدت الاضطراب والحركة فوالله لقد تحرك وأنا بعيد عن المطعم والمشرب، فعصمني الله كأني شربت لبنا حتى تمت الثلاثة أشهر وأنا أجد الزيادة، والخير في منزلي.