حتى بلت دمعته لحيته فقال له: أحلف بالذي حلفت ما أزعجني إلا الذي أزعجك من رحلك فقد استقرضت دينارا فقد آثرتك على نفسي، فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب مر بعلي بن أبي طالب وهو في الصف الأول فغمزه برجله فقام علي (عليه السلام) متعقبا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى لحقه على باب من أبواب المسجد فسلم عليه فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) [السلام] فقال: يا أبا الحسن هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك فمكث مطرقا لا يحير جوابا حياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يعلم ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه وأين وجهه، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) أن يتعشى الليلة عند علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن مالك لا تقول: لا، فانصرف أو تقول: نعم، فأمضي معك، فقال حياء وتركما فاذهب بنا، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد [ي] علي بن أبي طالب (عليه السلام) فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي في مصلاها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رحلها خرجت من مصلاها فسلمت عليه وكانت أعز الناس عليه فرد (عليها السلام) ومسح بيده على رأسها وقال لها: يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله تعالى (1) عشينا غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب، فلما نظر علي بن أبي طالب إلى طعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا، قالت له فاطمة: سبحان الله ما أشح نظرك وأشده هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟ قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه أليس عهدي إليك اليوم الماضي وأنت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما مذ يومين؟ قال: فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا، فقال لها: يا فاطمة أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط ولم أشم مثل ريحه قط وما آكل أطيب منه
(٦٠)