أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإن أشخصت من هذين الحرمين انتقضت عليك العرب من أطرافها وأكنافها، حتى تكون (1) ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهم إليك مما بين يديك، فأما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم فإنا لم نكن نقاتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالبصيرة (2)، وأما ما بلغك من اجتماعهم على المسير إلى المسلمين فإن الله لمسيرهم أكره منك لذلك، وهو أولى بتغيير ما يكره، وإن الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا: هذا رجل العرب، فإن قطعتموه قطعتم العرب (3)، وكان أشد لكلبهم وكنت قد ألبتهم على نفسك، وأمدهم من لم يكن يمدهم، ولكني أرى أن تقر هؤلاء في أمصارهم وتكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق، فلتقم فرقة (4) على ذراريهم حرسا لهم، ولتقم فرقة على أهل عهدهم لئلا ينتقضوا، ولتسر فرقة منهم إلى إخوانهم مددا لهم: فقال: أجل هذا الرأي، وقد كنت أحب أن أتابع عليه، و جعل يكرر قول أمير المؤمنين عليه السلام وينسقه إعجابا به واختيارا له.
قال الشيخ المفيد رضي الله عنه: فانظروا أيدكم الله إلى هذا الموقف الذي ينبئ بفضل الرأي، إذ تنازعه أولو الألباب والعلم، وتأملوا في التوفيق الذي قرن الله به أمير المؤمنين في الأحوال كلها، وفزع القوم إليه في المعضل من الأمور، و أضيفوا إلى ذلك (5) ما أثبتناه عنه من القضاء في الدين الذي أعجز متقدمي القوم حتى اضطروا في علمه إليه، تجدوه من باب المعجز الذي قدمناه، والله ولي التوفيق (6).