فعقره (1)، فصرت لا أبصر ولا أسمع، فعند ذلك بكوا أهلي وأعواني، وظهر خبري إلى إخواني وجيراني، فقلت له عند ذلك: من أنت يا هذا الذي أشغلتني عن مالي وأهلي وولدي، فقال: أنا ملك الموت، أتيتك لأنقلك من دار الدنيا إلى الآخرة فقد انقضت مدتك، وجاءت منيتك، فبينا هو كذلك يخاطبني إذ أتاني شخصان وهما أحسن خلق رأيت (2)، فجلس أحدهما عن يميني، والآخر عن شمالي فقالا لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، قد جئناك بكتابك فخذه الآن، وانظر ما فيه فقلت لهم: أي كتاب لي أقرأه؟ قالا: نحن الملكان اللذان كنا معك في دار الدنيا نكتب مالك وما عليك، فهذا كتاب عملك فنظرت في كتاب الحسنات وهو بيد الرقيب فسرني ما فيه وما رأيت من الخير، فضحكت عند ذلك وفرحت فرحا شديدا، ونظرت إلى كتاب السيئات وهو بيد العتيد فساءني ما رأيت وأبكاني، فقالا لي: أبشر فلك الخير، ثم دنا مني الشخص الأول فجذب الروح، فليس من جذبه يجذبها إلا وهي تقوم مقام كل شدة من السماء إلى الأرض، فلم يزل كذلك حتى صارت الروح في صدري، ثم أشار إلي بحربة لو أنها وضعت على الجبال لذابت، فقبض روحي من عرنين أنفي، فعلا (3) عند ذلك الصراخ، وليس من شئ يقال أو يفعل إلا وأنا به عالم، فلما اشتد صراخ القوم وبكاؤهم جزعا علي فالتفت إليهم ملك الموت بغيظ و حنق وقال: معاشر القوم ممن بكاؤكم؟ فوالله ما ظلمناه فتشكوا، ولا اعتدينا عليه فتصيحوا وتبكوا، ولكن نحن وأنتم عند (4) رب واحد. ولو أمرتم فينا كما أمرنا فيكم لامتثلتم فينا كما امتثلنا فيكم، والله ما أخذناه حتى فني رزقه، وانقطعت مدته وصار إلى رب كريم يحكم فيه ما يشاء، وهو على كل شئ قدير، فإن صبرتم اجرتم (5)، وإن جزعتم أثمتم، كم لي من رجعة إليكم، أخذ البنين والبنات و الآباء والأمهات، ثم انصرف عند ذلك عني والروح معه، فعند ذلك أتاه ملك
(٣٧٦)