فلما وضعوه فيها قال لهم: يا قوم استقبلوا بوجهي القبلة، فلما استقبل القبلة بوجهه نادى بعلو (1) صوته: السلام عليكم يا أهل عرصة البلا، السلام عليكم يا محتجبين عن الدنيا، قال فلم يجبه أحد، فنادى ثانية: السلام عليكم يا من جعلت المنايا لهم غداء السلام عليكم يا من جعلت الأرض عليكم غطاء، السلام عليكم يامن لقوا أعمالهم في دار الدنيا، السلام عليكم يا منتظرين النفخة الأولى، سألتكم بالله العظيم، والنبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب، فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه قال لي: يا سلمان إذا دنت وفاتك سيكلمك ميت، وقد اشتهيت أن أدري دنت وفاتي أم لا، فلما سكت سلمان من كلامه فإذا هو بميت قد نطق من قبره وهو يقول:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، يا أهل البناء والفناء المشتغلون بعرصة الدنيا ها نحن لكلامك مستمعون، ولجوابك مسرعون، فسل عما بدالك يرحمك الله تعالى، قال سلمان: أيها الناطق بعد الموت، المتكلم بعد حسرة الفوت، أمن أهل الجنة أم من أهل النار (2)؟ فقال: يا سلمان أنا ممن أنعم الله تعالى عليه بعفوه وكرمه، وأدخله جنته برحمته، فقال له سلمان: الآن يا عبد الله صف لي الموت كيف وجدته، وماذا لقيت منه، وما رأيت وما عانيت؟ قال: مهلا يا سلمان فوالله إن قرضا بالمقاريض ونشرا بالمناشير لاهون علي من غصة الموت، اعلم أني كنت في دار الدنيا ممن ألهمني الله تعالى الخير، وكنت أعمل به، وأؤدي فرائضه، وأتلوا كتابه، وأحرص في بر الوالدين، وأجتنب المحارم (3)، وأفزع عن المظالم (4)، وأكد الليل و النهار في طلب الحلال خوفا من وقفة السؤال، فبينا أنا في ألذ عيش وغبطة وفرح وسرور إذ مرضت وبقيت في مرضي أياما حتى انقضت من الدنيا مدتي، فأتاني عند ذلك شخص عظيم الخلقة، فظيع المنظر، فوقف مقابل وجهي، لا إلى السماء صاعدا، ولا إلى الأرض نازلا، فأشار إلى بصري فأعماه، وإلى سمعي فأصمه، وإلى لساني