فأراد (صلى الله عليه وآله) أن يبطل ذلك بالكلية وينسخ سنة الجاهلية، فكان يخفي في نفسه تزويجها لهذا الغرض كيلا يقول الناس: إن تزوج امرأة ابنه ويقرفونه (1) بما هو منزه عنه، ولهذا قال: " أمسك عليك زوجك " عن أبي مسلم، ويشهد لهذا التأويل قوله فيما بعد: " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " الآية، ومعناه فلما قضى زيد حاجته من نكاحها فطلقها وانقضت عدتها فلم يكن في قبله ميل إليها ولا وحشة من فراقها، فإن معنى القضاء هو الفراغ من الشئ على التمام، أذنا لك في تزويجها، وإنما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتى لا يكون (2) إثم في أن يتزوجوا أزواج أدعيائهم الذين تبنوهم إذا قضى الأدعياء منهن حاجتهم و فارقوهن " وكان أمر الله مفعولا " أي كائنا لا محالة، وفي الحديث أن زينب كانت تفتخر على سائر نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وتقول: زوجني الله من النبي، وأنتن إنما زوجكن أولياؤكن.
ورى ثابت عن أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزيد: اذهب فاذكرها علي، قال زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب أبشري قد أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذكرك، ونزل القرآن وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل عليها بغير إذن لقوله: " زوجناكها ".
وفي رواية أخرى: قال زيد: فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها، فلما رأيتها عظمت في نفسي حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكرها فوليتها ظهري وقلت: يا زينب أبشري، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطبك، ففرحت بذلك وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل:
" زوجناكها " فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد (3) النهار.