أنوارها (1) وجعل ذلك بلاغا للأنام (2) ورزقا للأنعام. وخرق الفجاج في آفاقها وأقام المنار للسالكين على
جواد طرقها. فلما مهد أرضه وأنفذ أمره اختار
آدم عليه السلام خيرة من خلقه. وجعله أول جبلته (3) وأسكنه جنته وأرغد فيها
أكله، وأوعز إليه فيما نهاه عنه. وأعلمه أن في الإقدام عليه التعرض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته. فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه، فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله وليقيم الحجة به على عباده. ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم
حجة ربوبيته، ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، ومتحملي ودائع رسالاته، قرنا فقرنا حتى
تمت بنبينا
محمد صلى الله عليه وآله حجته، وبلغ المقطع عذره ونذره (4). وقدر الأرزاق فكثرها وقللها. وقسمها على الضيق
والسعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها.
وليختبر بذلك
الشكر والصبر من غنيها وفقيرها. ثم قرن بسعتها
____________________
(1) الأنوار جمع نور بفتح النون وهو الزهر بالمعنى المعروف أي حلية القلائد التي علقت عليها من أزهار نباتها. وفي رواية شمطت بالشين وتخفيف الميم من شمطه إذا خلط لونه بلون آخر. والشميط من النبات ما كان فيه لون الخضرة مختلطا بلون الزهر (2) البلاغ ما يتبلغ به من القوت (3) خلقته (4) المقطع النهاية التي ليس وراءها