القعقاع بن عمرو في جيش، وأن أهل البصرة بعثوا مجاشعا في جيش، فعند ذلك صمموا على أمرهم وبالغوا فيه، وانتهزوا الفرصة بقلة الناس وغيبتهم في الحج، وأحاطوا بالدار، وجدوا في الحصار، وأحرقوا الباب، وتسوروا من الدار المتاخمة للدار، كدار عمرو بن حزم وغيرها، وحاجف الناس عن عثمان أشد المحاجفة، واقتتلوا على الباب قتالا شديدا، وتبارزوا وتراجزوا بالشعر في مبارزتهم، وجعل أبو هريرة يقول: هذا يوم طاب في الضراب فيه. وقتل طائفة من أهل الدار وآخرون من أولئك الفجار، وجرح عبد الله بن الزبير جراحات كثيرة، وكذلك جرح الحسن بن علي ومروان بن الحكم فقطع إحدى علباويه فعاش أوقص حتى مات. ومن أعيان من قتل من أصحاب عثمان، زياد بن نعيم الفهري، والمغيرة بن الأخنس بن شريق، ونيار بن عبد الله الأسلمي، في أناس وقت المعركة، ويقال إنه انهزم أصحاب عثمان ثم رجعوا. ولما رأى عثمان ذلك عزم على الناس لينصرفوا إلى بيوتهم، فانصرفوا كما تقدم، فلم يبق عنده أحد سوى أهله، فدخلوا عليه من الباب، ومن الجدران وفزع عثمان إلى الصلاة وافتتح سورة طه، وكان سريع القراءة - فقرأها والناس في غلبة عظيمة، قد احترق الباب والسقيفة التي عنده، وخافوا أن يصل الحريق إلى بيت المال، ثم فرغ عثمان من صلاته وجلس وبين يديه المصحف، وجعل يتلو هذه الآية * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) * [آل عمران: 173] فكان أول من دخل عليه رجل يقال له الموت الأسود فخنقه خنقا شديدا حتى غشي عليه، وجعلت نفسه تتردد في حلقه، فتركه وهو يظن أنه قد قتله، ودخل ابن أبي بكر فمسك بلحيته ثم ند وخرج، ثم دخل عليه آخر ومعه سيف فضربه به فاتقاه بيده فقطعها، فقيل: إنه أبانها: وقيل: بل قطعها ولم يبنها، إلا أن عثمان قال: والله إنها أول يد كتبت المفصل، فكان أول قطرة دم منها سقطت على هذه الآية * (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) * [البقرة: 137] ثم جاء آخر شاهرا سيفه فاستقبلته نائلة بنت الفرافصة لتمنعه منه، وأخذت السيف فانتزعه منها فقطع أصابعها. ثم إنه تقدم إليه فوضع السيف في بطنه فتحامل عليه، رضي الله عن عثمان وفي رواية أن الغافقي بن حرب تقدم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه بحديدة في فيه، ورفس المصحف الذي بين يديه برجله فاستدار المصحف ثم استقر بين يدي عثمان رضي الله عنه. وسالت عليه الدماء، ثم تقدم سودان بن حمران بالسيف فمانعته نائلة فقطع أصابعها فولت فضرب عجيزتها بيده وقال: إنها لكبيرة العجيزة. وضرب عثمان فقتله، فجاء غلام عثمان فضرب سودان فقتله، فضرب الغلام رجل يقال له قترة (1) فقتله.
وذكر ابن جرير أنهم أرادوا حز رأسه بعد قتله، فصاح النساء وضربن وجوههن، فيهن امرأتاه نائلة وأم البنين، وبناته، فقال ابن عديس: اتركوه، فتركوه. ثم مال هؤلاء الفجرة على