أن أول قطرة من دمه سقطت على قوله تعالى * (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) * [البقرة:
137] ويروى أنه كان قد وصل إليها في التلاوة أيضا حين دخلوا عليه، وليس ببعيد فإنه كان قد وضع المصحف يقرأ فيه القرآن.
وروى ابن عساكر أنه لما طعن قال: بسم الله توكلت على الله، فلما قطر الدم قال: سبحان الله العظيم. وقد ذكر ابن جرير في تاريخه بأسانيده أن المصريين لما وجدوا ذلك الكتاب مع البريد إلى أمير مصر، فيه الامر بقتل بعضهم، وصلب بعضهم، وبقطع أيدي بعضهم وأرجلهم، وكان قد كتبه مروان بن الحكم على لسان عثمان، متأولا قوله تعالى * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم) * [المائدة: 33] وعنده أن هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من جملة المفسدين في الأرض، ولا شك أنهم كذلك، لكن لم يكن له أن يفتات على عثمان ويكتب على لسانه بغير علمه، ويزور على خطه وخاتمه، ويبعث غلامه على بعيره، بعد ما وقع الصلح بين عثمان وبين المصريين (1)، على تأمير محمد بن أبي بكر على مصر، بخلاف ذلك كله، ولهذا لما وجدوا هذا الكتاب على خلاف ما وقع الاتفاق عليه، وظنوا أنه من عثمان، أعظموا ذلك، مع ما هم مشتملون عليه من الشر فرجعوا إلى المدينة فطافوا به على رؤوس الصحابة، وأعانهم على ذلك قوم آخرون، حتى ظن بعض الصحابة أن هذا عن أمر عثمان رضي الله عنه، فلما قيل لعثمان رضي الله عنه في أمر هذا الكتاب بحضرة جماعة من أعيان الصحابة وجمهور المصريين، حلف بالله العظيم، وهو الصادق البار الراشد، أنه لم يكتب هذا الكتاب ولا أملاه على من كتبه، ولا علم به، فقالوا له: فإن عليه خاتمك. فقال: إن الرجل قد يزور على خطه وخاتمه قالوا: فإنه مع غلامك وعلى جملك.
فقال: والله لم أشعر بشئ من ذلك. فقالوا له - بعد كل مقالة - إن كنت قد كتبته فقد خنت، وإن لم تكن قد كتبته بل كتب على لسانك وأنت لا تعلم فقد عجزت، ومثلك لا يصلح للخلافة، إما لخيانتك، وإما لعجزك، وهذا الذي قالوا باطل على كل تقدير فإنه لو فرض أنه كتب الكتاب، وهو لم يكتبه في نفس الامر، لا يضره ذلك لأنه قد يكون رأى ذلك مصلحة للأمة في إزالة شوكة هؤلاء البغاة الخارجين على الامام، وأما إذا لم يكن قد علم به فأي عجز ينسب إليه إذا لم يكن قد اطلع عليه وزور على لسانه؟ وليس هو بمعصوم بل الخطأ والغفلة جائزان عليه رضي الله عنه، وإنما هؤلاء الجهلة البغاة متعنتون خونة، ظلمة مفترون، ولهذا صمموا بعد هذا على حصره والتضييق عليه، حتى منعوه الميرة والماء والخروج إلى المسجد، وتهددوه بالقتل، ولهذا خاطبهم بما