وأما موضع قبره فلا خلاف أنه دفن بحش كوكب - شرقي البقيع - وقد بني عليه زمان بني أمية قبة عظيمة وهي باقية إلى اليوم. قال الامام مالك رضي الله عنه: بلغني أن عثمان رضي الله عنه كان يمر بمكان قبره من حش كوكب فيقول: إنه سيدفن ههنا رجل صالح.
وقد ذكر ابن جرير أن عثمان رضي الله عنه بقي بعد أن قتل ثلاثة أيام لا يدفن. قلت: وكأنه اشتغل الناس عنه بمبايعة علي رضي الله عنه حتى تمت، وقيل إنه مكث ليلتين، وقيل بل دفن من ليلته، ثم كان دفنه ما بين المغرب والعشاء خيفة من الخوارج، وقيل بل استؤذن في ذلك بعض رؤسائهم. فخرجوا به في نفر (1) قليل من الصحابة، فيهم حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزى، وأبو الجهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم الأسلمي، وجبير بن مطعم، وزيد بن ثابت، وكعب بن مالك، وطلحة والزبير، وعلي بن أبي طالب وجماعة من أصحابه ونسائه، منهن امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عتبة بن حصين، وصبيان. وهذا مجموع من كلام الواقدي وسيف بن عمر التميمي - وجماعة من خدمه حملوه على باب بعد ما غسلوه وكفنوه. وزعم بعضهم أنه لم يغسل ولم يكفن، والصحيح الأول. وصلى عليه جبير بن مطعم، وقيل الزبير بن العوام، وقيل حكيم بن حزام، وقيل مروان بن الحكم، وقيل المسور بن مخرمة وقد عارضه بعض الخوارج وأرادوا رجمه، وإلقاءه عن سريره، وعزموا على أن يدفن بمقبرة اليهود بدير سلع، حتى بعث علي رضي الله عنه إليهم من نهاهم عن ذلك وحمل جنازته حكيم بن حزام، وقيل مروان بن الحكم، وقيل المسور بن مخرمة، وأبو جهم بن حذيفة ونيار بن مكرم، وجبير بن مطعم، وذكر الواقدي أنه لما وضع ليصلى عليه - عند مصلى الجنائز - أراد بعض الأنصار أن يمنعهم من ذلك، فقال أبو جهم بن حذيفة: ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته ثم قالوا: لا يدفن في البقيع ولكن ادفنوه وراء الحائط، فدفنوه شرقي البقيع تحت نخلات هناك.
وذكر الواقدي أن عمير بن ضابي نزا على سريره وهو موضوع للصلاة عليه فكسر ضلعا من أضلاعه وقال: أحبست ضابيا حتى مات في السجن. وقد قتل الحجاج فيما بعد عمير بن ضابي هذا وقال البخاري في التاريخ: حدثنا موسى بن إسماعيل عن عيسى بن منهال ثنا غالب عن محمد بن سيرين قال: كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي، فقلت:
يا عبد الله ما سمعت أحدا يقول ما تقول، قال: كنت أعطيت لله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون يصلون عليه، فدخلت كأني أصلي عليه، فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه ولحيته ولطمته وقد يبست يميني. قال ابن سيرين: فرأيتها يابسة كأنها عود. ثم أخرجوا بعبدي عثمان اللذين قتلا في الدار، وهما صبيح