خاطبهم به من توسعة المسجد وهو أول من منع منه، ومن وقفه بئر رومة على المسلمين وهو أول من منع ماءها، ومن أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة " وذكر أنه لم يقتل نفسا، ولا ارتد بعد إيمانه، ولا زنى في جاهلية ولا إسلام، بل ولا مس فرجه بيمينه بعد أن بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية بعد أن كتب بها المفصل. ثم ذكر لهم من فضائله ومناقبه ما لعله ينجع فيهم بالكف عنه والرجوع إلى الطاعة لله ولرسوله ولأولي الامر منهم، فأبوا إلا الاستمرار على ما هم عليه من البغي والعدوان، ومنعوا الناس من الدخول إليه والخروج من عنده، حتى اشتد عليه الحال، وضاق المجال، ونفذ ما عنده من الماء، فاستغاث بالمسلمين في ذلك فركب علي بنفسه وحمل معه قربا من الماء فبالجهد حتى أوصلها إليه (1) بعد ما ناله من جهلة أولئك كلام غليظ، وتنفير لدابته، وإخراق عظيم بليغ، وكان قد زجرهم أتم الزجر، حتى قال لهم فيما قال: والله إن فارس والروم لا يفعلون كفعلكم هذا بهذا الرجل، والله إنهم ليأسرون فيطعمون ويسقون، فأبوا أن يقبلوا منه حتى رمى بعمامته في وسط الدار. وجاءت أم حبيبة راكبة بغلة وحولها حشمها وخدمها، فقالوا ما جاء بك؟ فقالت: إن عنده وصايا بني أمية، لأيتام وأرامل، فأحببت أن أذكره بها، فكذبوها في ذلك ونالها منهم شدة عظيمة، وقطعوا حزام البغلة وندت بها، وكادت أو سقطت عنها، وكادت تقتل لولا تلاحق بها الناس فأمسكوا بدابتها، ووقع أمر كبير جدا، ولم يبق يحصل لعثمان وأهله من الماء إلا ما يوصله إليهم آل عمرو بن حزم في الخفية ليلا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما وقع هذا أعظمه الناس جدا، ولزم أكثر الناس بيوتهم، وجاء وقت الحج فخرجت أم المؤمنين عائشة في هذه السنة إلى الحج، فقيل لها: إنك لو أقمت كان أصلح، لعل هؤلاء القوم يهابونك، فقالت: إني أخشى أن أشير عليهم برأي فينالني منهم من الأذية ما نال أم حبيبة، فعزمت على الخروج. واستخلف عثمان رضي الله عنه في هذه السنة على الحج عبد الله بن عباس، فقال له عبد الله بن عباس: إن مقامي على بابك أحاجف عنك أفضل من الحج. فعزم عليه، فخرج بالناس إلى الحج واستمر الحصار بالدار حتى مضت أيام التشريق ورجع اليسير من الحج، فأخبر بسلامة الناس، وأخبر أولئك بأن أهل الموسم عازمون على الرجوع إلى المدينة ليكفوكم عن أمير المؤمنين. وبلغتهم أيضا أن معاوية قد بعث جيشا مع حبيب بن مسلمة، وأن عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد نفذ آخر مع معاوية بن خديج، وأن أهل الكوفة قد بعثوا