بعتك الدنانير التي لي عليك بالدراهم التي لك على وقال قبلت فهو باطل لان حقوق العقد لا تتعلق بالرسول بل بالمرسل وهما مفترقان بأبدانهما وكذلك لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو ناداه من بعيد لم يجز لأنهما مفترقان بأبدانهما عند العقد بخلاف البيع المطلق إذا ارسل رسولا إلى إنسان فقال بعت عبدي الذي في مكان كذا منك بكذا فقبل ذلك الرجل فالبيع جائز لان التقابض في البيع المطلق ليس بشرط لصحة العقد ولا يكون الافتراق مفسدا له ثم المعتبر افتراق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو نائبين عنهما كالأب والوصي والوكيل لان القبض من حقوق العقد وحقوق العقد تتعلق بالعاقدين فيعتبر افتراقهما ثم إنما يعتبر التفرق بالأبدان في موضع يمكن اعتباره فإن لم يمكن اعتباره يعتبر المجلس دون التفرق بالأبدان بان قال الأب اشهدوا انى اشتريت هذا الدينار من ابني الصغير بعشرة دراهم ثم قام قبل أن يزن العشرة فهو باطل كذا روى عن محمد لان الأب هو العاقد فلا يمكن اعتبار التفرق بالأبدان فيعتبر المجلس والله سبحانه وتعالى أعلم ثم بيع الجنس بالجنس وبخلاف الجنس كالذهب بالفضة سواء لا يختلفان في حكم القبض لان كل ذلك صرف فيشترط فيه التقابض وإنما يختلفان في جوز التفاضل وعدمه فلا يجوز التفاضل عند اتحاد الجنس ويجوز عند الاختلاف ولكن يجب التقابض اتحد الجنس أو اختلف لما ذكرنا من الدلائل ولو تصارفا ذهبا بذهب أو فضة بفضة مثلا بمثل وتقابضا وتفرقا ثم زاد أحدهما صاحبه شيئا أو حط عنه شيئا وقبل الآخر فسد البيع عند أبي حنيفة وأبى يوسف الزيادة والحط باطلان والعقد الأول صحيح وعند محمد الزيادة باطلة والحط جائز بمنزلة الهبة المستقبلة واختلافهم في هذه المسألة فرع اختلافهم في أصل ذكرناه فيما تقدم وهو أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد في الذكر إذا الحق به هل يلتحق به أم لا فمن أصل أبي حنيفة فيه أنه يلتحق بأصل العقد ويفسد العقد والزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد على أصل أصحابنا كان العقد ورد على المزيد عليه والزيادة جميعا فيتحقق التفاضل والجنس متحد فيتحقق الربا فكانت الزيادة والحط بمنزلة شرط فاسد ملتحق بالعقد فيتأخر عنه فيلتحق به ويوجب فساده ومن أصل أبى يوسف ومحمد أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد لا يلتحق بالعقد فطرد أبو يوسف هذا الأصل وقال تبطل الزيادة والحط جميعا ويبقى البيع الأول صحيحا ومحمد فرق بين الزيادة والحط وقال الزيادة باطلة والحط جائز لان الزيادة لو صحت لالتحقت بأصل العقد فيوجب فساده فبطلت الزيادة وليس من شرط صحة الحط ان يلتحق بالعقد الا ترى أنه لو حط جميع الثمن صح ولا يلتحق إذ لو التحق لكان البيع واقعا بلا ثمن فيجعل حطا للحال بمنزلة هبة مستأنفة ولو تبايعا الجنس بخلاف الجنس بان تصارفا دينارا بعشرة دراهم ثم زاد أحدهما صاحبه درهما وقبل الآخر أو حط عنه درهما من الدينار جازت الزيادة والحط بالاجماع لان المانع من الجواز والالتحاق تحقق الربا واختلاف الجنس يمنع تحقق الربا الا أن في الزيادة يشترط قبضها قبل الافتراق حتى لو افترقا قبل القبض بطل البيع في حصة الزيادة لان الزيادة لما التحقت بأصل العقد صار كان العقد ورد على الزيادة والأصل جميعا الا أنه جاز التفاضل لاختلاف الجنس فإذا لم يقبض الزيادة قبل الافتراق بطل العقد بقدرها (وأما) الحط فجائز سواء كان قبل التفرق أو بعده لان الحط وإن كان يلتحق بأصل العقد فيؤدى إلى التفاضل لكن التفاضل عند اختلاف الجنس جائز ولا زيادة ههنا حتى يشترط قبضها فصح الحط ووجب عليه رد المحطوط لان الحط لما التحق بأصل العقد تبين أن العقد لم يقع على قدر المحطوط من الابتداء فيجب رده ولو حط مشترى الدينار قيراطا منه فبائع الدينار يكون شريكا له في الدينار لأنه تبين أن العقد وقع على ما سوى القيراط ولو اشترى سيفا محلى بفضة وحليته خمسون درهما بمائة درهم وتقابضا ثم زاده دينارا في الثمن دفعه إليه قبل أن يفارقه أو بعد ما فارقه يجوز كذا روى عن محمد وتصرف الزيادة إلى النصل والجفن والحمائل لأنها تلحق بأصل العقد فصار كان العقد ورد على الأصل والزيادة جميعا ولو كان كذلك لكان الامر على ما وصفنا كذا هذا بخلاف بيع المرابحة فإنه يقسم على جميع الثمن لما نذكر في مسائل المرابحة وسواء كان دينا بدين وهو الدراهم والدنانير أو عينا بعين وهو التبر والمصوغ أو دينا بعين وهو الدرهم والدنانير بالتبر والمصوغ لان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب الفصل بين الدين والعين
(٢١٦)