مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ٥٣٧
ترتفع فضيلة الرواح وتحضر الملائكة للذكر، وأن ذلك متصل بالساعة الخامسة وهذا باطل باتفاق. فثبت أنه لم يرد به الساعة الخامسة من ساعات النهار لأن الساعة السادسة تفصل بينها وبين الذكر، وإذا بطل ذلك ثبت أنه إنما أريد به أجزاء من الساعة السادسة وتلك الساعة يصح تجزئتها على خمسة أجزاء وأقل وأكثر. ودليل ثان أنه (ص) قال ثم راح والرواح إنما يكون بعد نصف النهار أو ما قرب من ذلك انتهى. واقتصر الجزولي في أحد شروحه على الرسالة على نقل كلام الباجي، وأما عبد الوهاب وابن ناجي فلم يتعرضا لتبين الوقت. وقول القرافي والموجود لمالك إنما هو إلى آخره يقتضي أنه لم يرد عن مالك نص على أنها قبل الزوال، وقد ورد مصرحا في سماع أشهب من العتبية وبينه ابن رشد ولم يحك غيره فتقوى القول الذي صححه القرافي وزاد صحة على صحة بورود النص عن مالك على وفقه وتقرير ابن رشد له، غير أنه لم يصرح بأن وقت الرواح يدخل بأول الساعة السادسة وإنما ذكر أن التهجير يكون قبل الزوال، ويرجع في قدر ذلك، إلى ما اتصل به العمل كما سيأتي ونصه: مسألة: وسئل عن التهجير يوم الجمعة قال: نعم يهجر بقدر قال الله تعالى * (إنا كل شئ خلقناه بقدر) * وقال * (قد جعل الله لكل شئ قدر) * وكان أصحاب النبي (ص) لا يغدون إلى الجمعة هكذا، وأنا أكره هذا القدر هكذا، حتى أن المرء لا يعرف به وأنا أخاف على هذا الذي يقدر أن يدخله شئ وأن يحب أن يعرف به فأنا أكرهه ولا أحبه ولكن رواحا بقدر، وقد سمعت السائل يسأل ربيعة يقول: لأن ألقى في طريق المسجد أحب إلي من أن ألقى في طريق السوق، فقيل لمالك: ما تقول أنت في هذا؟ فقال: هذا ما لا يجد أحد منه بدا.
قيل: أفترى أن يروح قبل الزوال؟ قال: نعم في رأيي. قيل له: أتهجر بالرواح إلى الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: نعم في ذلك سعة. قال القاضي محمد بن رشد: كره مالك الغد وبالرواح إلى الجمعة من أول النهار لأنه لم يكن ذلك من العمل المعمول به على ما ذكره عن أصحاب رسول الله (ص) كانوا لا يغدون إلى الجمعة، فاستدل بذلك على أن النبي (ص) لم يرد بالخمس ساعات في قوله ثم راح في الساعة الأولى إلى آخر الحديث ساعات النهار المعلومة من أولها على ما ذهب إليه جماعة من العلماء ومنهم الشافعي، وأنه إنما عنى بذلك ساعة الرواح وهي التي تتصل بالزوال وقت خروج الامام فهي التي تنقسم على الخمس، فيكون الرائح في الأولى منها كالمهدي بدنة، وفي الثانية كالمهدي بقرة، وفي الثالثة كالمهدي كبشا أقرن، وفي الرابعة كالمهدي دجاجة، وفي الخامسة كالمتصلة بالزوال. وخروج الأمم كالمهدي بيضة.
ولما لم تكن هذه الساعات منقسمة على الخمس ساعات محدودة بجزء معلوم من النهار قبل زوال الشمس فيعلم حدها حقيقة، وجب أن يرجع في قدرها إلى ما اتصل به العمل، وأخذه الخلف عن السلف فلذلك قال مالك: إنه يهجر بقدر أي يتحرى قدر تهجير السلف فلا ينقص منه ولا يزيد عليه فيغدو من أول النهار لأنه إذا فعل ذلك عليهم شذ عنهم
(٥٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 ... » »»
الفهرست