مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ٥٣٢
نارا خالدا فيها) * والذي قيل فيمن ترك الجمعة ثلاثا طبع الله على قلبه إنما هو في الاثم والنفاق، وينتظر في الثالثة التوبة: فإن فعل وإلا طبع الله على قلبه. وليس ذلك في الترك له هملا ولا في إبطال شهادته لا بل تطرح شهادته ويوقف ويعاقب إن شاء الله. وقد بلغني عن بعض الامراء ممن مضى من أئمة الدين أنه كان يأمر إذا فرغ من الجمعة أن من وجد لم يشهد الجمعة ربط في عمود وعوقب، وأراه عمر بن عبد العزيز. قال محمد بن رشد: قول سحنون إن شهادة التارك بقرية تجمع فيها الجمعة لا ترد إلا أن يفعل ذلك ثلاثا متواليات، أظهر مما ذهب إليه أصغ من أنها ترد بالمرة الواحدة. ومعنى ما ذهب إليه سحنون أنه إذا لم يعلم له في ذلك عذر ولم يكن معلوما بالصلاح والفضل على ما قاله ابن القاسم، لأن من لم يعلم بالصلاح والفضل إذا ترك الجمعة ثلاثا متواليات لا يصدق فيما يدعيه من العذر بخلاف من علم بالصلاح والفضل. وليس قول ابن القاسم وسحنون مخالفا لقول ابن وهب والله أعلم.
وإنما قلنا إن قول سحنون أظهر من قول أصبغ من أجل أن المسلم لا يسلم من مواقعة الذنوب، فإذا ثبت هذا وجب أن لا يجرح الشاهد العدل بما دون الكبائر من الذنوب التي يقال فيها صغائر بإضافتها إلى الكبائر إلا أن يكثر منها فيعلم أن غير الصغائر لا تخرج العدل عن عدالته غير أنه متهاون بها وغير متوق منها، لأن من كانت هذه صفته فهو خارج عن حد العدالة ولما قال رسول الله (ص) من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه بطابع النفاق دل على أن ما دون الثلاث بخلاف ذلك في عظم الاثم وكثرة الوعيد، فوجب أن يلحق ذلك بالصغائر. ولا ترد شهادة من ترك الجمعة مرة واحدة اشتغالا بما سواها من أمر دنياه حتى يفعل ذلك ثلاثا متواليات، فيتبين بذلك أنه متهاون بدينه غير متوق فيه. وكذلك القول في نارك صلاة من الصلوات حتى يخرج وقتها بغير عذر فلا يجب أن ترد شهادته حتى يكثر ذلك من فعله. واحتجاج أصبغ لرد شهادته بذلك بقوله عز وجل * (ومن يعص الله) * الآية غير صحيح، لأن المعنى في ذلك إنما هو فيمن عصى الله ورسوله بترك الايمان وتعدي حدود الاسلام، لأن الخلود في النار إنما هو من صفة الكفار وبالله التوفيق انتهى. ونقله ابن عرفة. والذي يظهر أن أصبغ شبه من ترك الجمعة بمن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها في أنه يقتل ولا يؤخر، فكذلك تارك الجمعة ترد شهادته ولا يؤخر، ولم يشبه ترك الجمعة بترك الصلاة حتى يخرج وقتها في رد شهادته كما يظهر من عبارة ابن رشد والله أعلم. وفي النوادر في كتاب الشهادات قال مطرف: إذا تركها مرارا ولم يعرف له عذر في ذلك فشهادته مطروحة حتى يثبت له عذر ويظهر ولا يعذر في ذلك بجهالة. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ انتهى. ثم
(٥٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 ... » »»
الفهرست