مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٢ - الصفحة ٥٢٥
إذا بقي منهم في القرية اثنا عشر رجلا جمعوا. انتهى مختصرا فتأمله. ومعنى قوله تتقرى بهم قرية أي يمكنهم الثواء أي الإقامة آمنين مستغنين عن غيرهم في الدفع عنهم. قال الآبي في شرح مسلم قال الأبهري وابن القصار وعبد الوهاب والباجي: لاحد لمن يقام بهم بل المعتبر أن تكون الجماعة تتقرى بهم قرية بحيث يمكنهم الثوار بها آمنين. قال المازري وابن رشد: وهو المشهور. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وذلك يختلف بالنسبة إلى الجهات في كثرة الامن والخوف، ففي الجهات الآمنة تتقرى بالنفر اليسير بخلاف غيرها مما يتوقع فيه الخوف انتهى. وقال ابن عبد السلام: وأما الموضع الذي يمكن فيه الثواء فينبغي أن يختلف الحكم فيه باختلاف الجهات. فالبلاد التي سلمت من الفتن تتقرى القرية فيها بجماعة يسيرة في الخصوص و غيرهم بخلاف ذلك انتهى. وقال الآبي: معنى يمكنهم الثواء يدفعون عن أنفسهم انتهى. وقال في المدونة: ويصلي الجمعة أهل القرية المتصلة البنيان كالروحاء وما أشبهها، وكذلك أهل الخصوص، كان عليهم وال أو لم يكن. وقال مرة: القرية المتصلة البنيان التي فيها الأسواق يجمع أهلها، ومرة لم يذكر الأسواق انتهى. قال الآبي في شرح مسلم: الصحيح عدم اشتراط الأسواق وإنما ذكرها مالك لأنها مظنة لكثرة الناس الذين تتقرى بهم القرية، فلو اجتمع من تتقرى بهم قرية ولا سوق عندهم جمعوا. قال: وأما اتصال البنيان فشرط، فلو لم تتصل كدور جربة ودور جبال الغرب لم يجمعوا. بهذا وقعت الفتيا. والأظهر أنهم إن كانوا من القرب بحيث يرتفق بعضهم ببعض في ضرورياتهم والدفع عن أنفسهم جمعوا لأنهم وهم كذلك بحكم القرية المتصلة البنيان انتهى.
قلت: ما استظهره جزم به صاحب الطراز فقال واتفق جمهور العلماء على اتصال بنيان القرية، فإن تفرقت بيوتها بحيث لو سافر من في بعضها قصر إذا فارق في بيوته وإن لم يفارق الباقي فهذا تفريق كثير جعلها في حكم القرى ولا تجب عليها الجمعة، وإن كانت متقاربة فهي في حكم المتصلة وقد يخرج بعض بيوت القرية فتنهدم وتحترق فيكون بين البيت والبيت هذا القدر انتهى. والثواء بمعنى الإقامة بالثاء المثلثة وبالمد وأما التوى بالمثناة من فوق والقصر فمعناه الهلاك.
تنبيهات: الأول: علم من هذا أن حكم القرية المذكورة حيث حصل لهم إلا من بمحلتهم وأمكنهم المقام بموضعهم وجبت عليهم الجمعة، وعلم منه أيضا معنى التقري وهو أن تمكنهم الإقامة آمنين مستغنين عن غيرهم. وتقدم قول الباجي أن الذي يجب أن يعتمد عليه من الدليل أن الاثني عشر عدد يصح منهم الانفراد بالاستيطان فصح أن تنعقد بهم الجمعة، وأنه معلوم أن الثلاثة والأربعة لا يمكنهم أن تتقرى بهم القرية كما تقدم جميع ذلك في كلامه.
وقال ابن ناجي: وأما الاستيطان فقال الباجي: هو الإقامة بنية التأبيد. ونقله ابن فرحون وابن الفرات وغيرهم. وقال في التوضيح في باب الحج: حقيقة التوطن الإقامة بعدم نية الانتقال ولا
(٥٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 ... » »»
الفهرست