فجمع بينهما حينئذ لا لعذر استيفاء الرحيل فإنه يعيد العصر ما دام في الوقت. رواه ابن زياد عن مالك انتهى. وابن زياد هو علي. وأما الفرع الذي ذكره ابن كنانة فمعناه أن من جمع ونيته الرحيل ثم بدا له فأقام، أو أتاه أمر ترك لأجله جد السير، فلا إعادة عليه. وقوله لشدة السير بناء على مذهب المدونة في اشتراط جد السير، ولم أر من ذكر فيه قولا بالإعادة إلا على ما فهمه المصنف رحمه الله تعالى من أن الفرعين فرع واحد، ومما يدل على نفي الخلاف في ذلك أن ابن عرفة أمام الحفاظ والمتصدي لنقل الأقوال وعزوها رحمه الله تعالى لما ذكره قال ما نصه الشيخ عن ابن كنانة: من جمع لجد السير ثم أقام بمكانه لم يعد يعارضه جمع خائف فقد عقله. ويوافقه نص ابن القاسم: لا يعيد مصل جالسا لعذر زال في الوقت انتهى. فانظر كيف يمكن أن يعارض قول ابن كنانة بقول مالك في مسألة أخرى ويترك قول مالك في المسألة نفسها؟ هذا بعيد. وأبين من هذا كله أن كلام ابن كنانة مشتمل على صورتين: الأولى منهما أن يجمع ثم تبدو له فيقيم، والثانية أن يجمع ثم يعرض له أمر يترك لأجله السير، وإذا حكم بعدم الإعادة في الأولى فالثانية من باب أحرى، والأولى هي التي قال ابن الحاجب فيها: وإن نوى الإقامة بعدها فلا تبطل. قال في التوضيح: لوقوع الصلاتين صحيحتين فكان كالمصلي بالتيمم ثم يجد الماء، ولو قيل بالإعادة قياسا على خائف الاغماء إذا لم يغم عليه على أحد القولين، وقياسا على استحبابه في المدونة الإعادة في حق من نوى الإقامة بعد الصلاة ما بعد انتهى. وقال ابن عبد السلام: يعني لوقوع الصلاتين صحيحتين باجتماع شرائط الجمع. وهل تستحب إعادة الثانية على أحد القولين فيمن نوى الإقامة بعد سلامه من صلاة القصر؟ فيه نظر، والأقرب عدمه. فكلام المصنف وكلام ابن عبد السلام يقتضي نفي الخلاف في نفي الإعادة فيمن جمع ثم بدا له فأقام، وإنما تردد في تخريج القول بذلك فكيف يجعله المصنف قول مالك كما اقتضاه كلامه الأول؟ هذا غريب فتأمله منصفا والله أعلم. فإن قيل: كلام ابن كنانة إنما ثبت في نسخة المصنف بالواو أعني قوله وأتاه أمر فهو صورة واحدة لا صورتان، وهي ليست عين صورة ابن الحاجب بل هي الصورة الثانية من الصورتين اللتين جعلتموهما في كلام ابن كنانة. قيل: أما أولا فلو سلم هذا فقد تقدم أن هذه الصورة أحرى بعدم الخلاف لأن في هذه الصورة الشخص باق على السفر لولا ما أتاه من الامر، وفي الأخرى ترك السفر وعزم على الإقامة ففرع ابن كنانة أولى بعد الخلاف. وأما ثانيا فاعلم أن فرع ابن كنانة بأولا بالواو وكذا ثبت في نسختين عتيقتين من النوادر وفي سند وفي الذخيرة ناقلا له عن سند كما تقدم وفي النسخة التي رأيت من التلمساني والله أعلم.
فرع: قال ابن الحاجب: وإذا نوى الإقامة في أثناء أحدهما عند التقديم بطل الجمع. قال ابن عبد السلام: يعني أن من جمع في السفر وكان حكمه تقديم الثانية إلى الأولى فنوى الإقامة في أثناء إحدى الصلاتين فقد بطل الجمع. والإقامة هنا مقابلة السفر هناك أعني كما لا يشترط طول السفر فلا يشترط إقامة أربعة أيام. واعلم أن بطلان الجمع لا يستلزم بطلان