المحل الذي يسكنه الشخص بنية عدم الانتقال كما ذكره في التوضيح في كتاب الحج وأشار بقوله إلا متوطن كمكة إلى أن من سافر مسافة القصر ثم رجع ليقضي حاجته أوردته الريح وهو عازم على السفر فإنه يقصر في رجوعه بلا خلاف، وفي البلد الذي رجع إليه إن لم يكن وطنه ولم ينو إقامة أربعة أيام فيه على القول الذي رجع إليه مالك. قال في المدونة: ومن دخل مكة فأقام بها بضعة عشر يوما فأوطنها ثم أراد أن يخرج إلى الجحفة ليعتمر ثم يعود إلى مكة ويقيم بها اليوم واليومين ثم يخرج منها فقال مالك: يتم في يوميه. ثم قال: يقصر. قال ابن القاسم: وهو أحب إلي قال ابن يونس: وجه الاتمام أنه لما أوطنها وأتم الصلاة بها صار لها حكم الوطن فكأنه رجع إلى وطنه، ووجه قوله يقصر أنها ليست وطنه في الحقيقة وإنما أتم بنية الفعل لما نوى الإقامة، وأما وطنه فلا يحتاج إذا رجع إليه إلى نية الإقامة، فما كان لا يتم فيه إلا بنية أضعف مما يتم فيه بغير نية وقد سافر من ذلك الموضع سفر قصر فإذا رجع إليه فهو على نية سفره حتى ينوي إقامة أربعة أيام أيضا. ولو كان اعتماره من الجعرانة أو التنعيم أو ما لا يقصر فيه الصلاة ثم رجع إلى مكة ونوى أن يقيم بها اليوم واليومين لأتم في ذلك بلا خلاف من قوله لأنه على نيته الأولى في الاتمام فلا يزيلها إلا خروجه إلى سفر القصر.
انتهى ونحوه للخمي. فعلم منه أن الموجب للقصر في المسألة المستثناة كونه رجع بعد أن سافر مسافة القصر، والموجب لعدمه في المستثنى منه كونه لم يسافر مسافة القصر وإلا لم يكن فرق بين ما حكم به أولا في قوله وقطعة دخول بلده وبين ما استثناه لكن ليس في كلام المصنف ما يدل على ذلك والاستثناء منقطع. ولما لم يكن الحكم خاصا بمن خرج من مكة أتى بالكاف في قوله كمكة. وأشار بقوله متوطن إلى أنها لم تكن وطنه وإنما أقام بها أياما، فالمراد بالوطن في كلامه وكلام المدونة طول الإقامة. ومهد ابن الحاجب لذلك بقوله: فإن تقدم استيطان فرجع إليه من الطويل غير ناو إقامة كمن أقام بمكة إلى آخر المسألة. ومسألة المدونة مفروضة فيمن خرج ونيته العود فأحرى من سافر ولم تكن نيته العود ثم عاد بعد مسافة القصر لأمر عرض له أو ردته الريح. وقد ذكر ابن يونس أنم من ردته الريح يجري على اختلاف قولي مالك في المسألة المتقدمة. والحاصل أن من رجع من دون مسافة القصر أتم الصلاة على المشهور ولو كان باقيا على نية السفر بأن يكون إنما رجع لحاجة أو ردته الريح، ومقابل المشهور أنه يقصر إذا كانت نيته باقية على السفر في رجوعه وفي البلد الذي خرج منه إذا لم يكن وطنه، وإن من رجع بعد أن سافر مسافة القصر يقصر على القول الراجح الذي رجع إليه مالك، وعلى القول المرجوع عنه يتم ويقصر هنا على مقابل المشهور في المسألة الأولى من باب أولى والله أعلم. وأما قول ابن غازي إن المراد بالدخول في الثانية المرور فغير ظاهر، لأنه يقتضي أن مطلق المرور بالوطن يقطع حكم السفر ولو حاذاه ولم يدخله وليس كذلك كما اعترض بذلك في التوضيح على ابن الحاجب