أحلف مع شاهدين وإن كان قضى بشهادة خزيمة وهو كشاهدين فيما روينا عنه فقد قضى قضيتين خالفتهما معا. قال فلعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما قضى باليمين أنه علم أن حق الطالب حق فقلت له: أفيجوز في جميع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيه بقضية إما بإقرار من المدعى عليه أو ببينة المدعي أن يقال لعله إنما قضى به أنه علم أن ما أقر به المقر أو ما قامت به البينة حق فلا يجوز لأحد بعده أن يقضي ببينة ولا بإقرار لأن أحدا بعده لا يعلم صدق البينة ولا المقر لان هذا لا يعلم إلا من جهة الوحي والوحي قد انقطع بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا، قلت: وما قضى به على ما قضي به ولا يبطل بلعل؟ قال نعم، قلت: فلم أردت إبطال اليمين مع الشاهد بلعل؟ وقلت له: وأكلمك على لعل أفرأيت لو جاءك رجل يدعي على رجل ألفا فعلمت أنها عليه ثابتة هل تعدو من أن تكون ممن يقضى بعلمه فتأخذها له منه ولا تكلفه شاهدا ولا يمينا أو ممن لا يأخذ بعلمه فلا تعطيه إياها إلا بشاهدين سواك؟ قال ما أعدو هذا، قلت له: فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد من قبل أنه علم أن ما ادعى المدعى حق كنت خالفته؟ قال فلعل المطلوب رضي بيمين الطالب. قلت: وقد عدت إلى لعل، وقلت: أرأيت لو جاءك خصمان فرضى المطلوب بيمين الطالب أكنت تكلفه شاهدا وتحلفه؟ قال: لا، قلت: ولو حلف مع شاهده والمطلوب يرضى بيمينه لم تعطه شيئا قال لا أعطيه بيمينه مع شاهده شيئا ولكن إن أقر بحقه أعطيته. قلت: أنت تعطيه إذا أقر ولا تحلف الطالب؟ قال نعم، قلت: فهذه سنة أخرى إن كانت كما قلت خالفتها. قال فما تقول أنت في أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: على المسلمين أن يحكموا بها كما حكم وكذلك ألزمهم الله. قال فلعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم من جهة الوحي، قلت: فما حكم به من جهة الوحي فقد بينه وذلك مثل ما أحل للناس وحرم وما حكم به بين الناس بالبينة فعلى الظاهر حكم به؟ قال فما يدل على ذلك؟ قلت: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما أنا بشر تختصمون إلى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قلت له: فقد أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أنه إنما يقضي بينهم بما يظهر له وأن الله ولى ما غاب عنه وليستن به المسلمون فيحكموا على ما يظهر لهم لان أحدا بعده من ولاة المسلمين لا يعرف صدق الشاهد أبدا إنما يحكم على الظاهر وقد يمكن في الشهود الكذب والغلط ولو كان القضاء لا يكون إلا من جهة الوحي لم يكن أحد يقضي بعد النبي صلى الله عليه وسلم لان أحدا لا يعرف الباطن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا حلفتم الحر مع شاهده فكيف أحلفتم المملوك والكافر الذي لا شهادة له؟ قلت: أرأيت الحر العدل إذا شهد لنفسه أتجوز شهادته؟ قال لا، قلت: ولو جازت شهادته أحلف على شهادته؟ قال لا، قلت: فيكف توهمت أنا جعلناه شاهدا لنفسه؟ قال لأنكم أعطيتموه بيمينه فقامت مقام شاهد، فقلت له: أعطيناه بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي وإن أعطى بها كما يعطي بشاهد فليس معناها معنى الشهادة، قال وهل تجد على ما تقول دلالة؟ قلت نعم إن شاء الله تعالى، قلت له: أرأيت إن ادعى عليه حق فجاء بشاهدين يشهدان له بالبراءة مما ادعى عليه أيبرأ؟ قال نعم، قلت: فإن حلف ولا بينة عليه أيبرأ؟ قال نعم؟ قلت: أفتقوم يمينه ببراءته مما ادعى عليه مقام شاهدين؟ قال نعم في هذا الموضع، قلت: أفيمينه شاهدان؟ قال لا وهما إن اجتمعا
(١١)